في مخيم الركبان، ثمة آلاف البشر المُحتجَزين اليوم في بقعةٍ صحراوية قريباً من الحدود السورية الأردنية. حُجمت أحلام هؤلاء الناس وتضاءلت مساحات الفرح في حياتهم، لتُختصر في تفاصيل كان من المفترض أن تكون من بين أبسط حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين، ولا سيما المياه الباردة والنظيفة.
يتّسم صيف المنطقة التي يقع فيها مخيم الركبان بقساوة المناخ وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن عواصف غبارية متكررة تحمل معها أمراضاً عديدة، قد تكون بسيطة، ولكنها قاتلة نتيجة انعدام البنى التحتية الطبية الكفيلة بتأمين العلاج لسكان المخيم. وكان يمكن للمياه الباردة، لو توافرت، أن تُخفّف على سكان المخيم، ولكنها ليست متوفرة، وإن توفرت فالوصول إليها ليس متاحاً دائماً.
من بين عوائق الحصول على المياه الباردة عدم توفّر الكهرباء في المخيم، فهي تُولّد بشكلٍ محدود بنظام الأمبيرات، ومن خلال مولداتٍ تعمل على الديزل، إلا أن ارتفاع أسعار المحروقات وتفشي الفقر يحرم الكثيرين من الحصول عليها. من أجل الحصول على المياه الباردة استقدم عمار، وهو أحد تجار المخيم، ماكينةً مخصصة لصنع الآيس كريم من مناطق النظام. يقول عمار لشبكة الركبان إنه لا يستخدمها فقط لصناعة الآيس كريم، بل لتجميد المياه أيضاً، وذلك كحل بديل في ظل انعدام الكهرباء وحاجة الناس إلى المياه الباردة. ويضيف عمار بأنّه ثمة إقبال جيد، ولكنّ قرابة نصف سكان المخيم غير قادرين على شراء المثلجات أو المياه الباردة.
أبو محمود، من النازحين إلى المخيم، يقول إنه تمكن من تحويل آلة صناعة الآيس كريم بالكامل لتصير مخصصةً لتبريد وتجميد المياه، وذلك كبديل عن معمل تصنيع قوالب الثلج غير الموجود في المخيم. يصل سعر قارورة الماء المجمّد الواحدة إلى ألف ليرة، وهو مبلغ لا تستطيع الكثير من الأسر تخصيصه لشراء الثلج.
دفعت صعوبة الحصول على المياه الباردة الكثيرات من نساء المخيم إلى إحياء طريقة قديمة لتبريد المياه، تتمثل في إعادة تدوير الملابس البالية أو أكياس الخيش، وخياطتها على قارورة الماء. وعادةً ما تُستخدم علب الزيت الفارغة كون جدرانها رقيقة، ويُرش الماء على القماش دورياً، ما يضمن تبريداً معقولاً للمياه. يقول أبو يسر (70 عاماً)، وهو أحد النازحين في المخيم، إنّ طريقة التبريد باستخدام القماش كانت تستخدم قديماً قبل توفر البرادات، وكانت تدعى «الجفناص»، وحينها كانت تستخدم أوعية الفخار لهذه الغاية. ويضيف أبو يسر أن هذه الطريقة هي خيار الكثير من العائلات المحرومة من الكهرباء والفقيرة غير القادرة على شراء المياه الباردة من التجار.
تقول أم محمد، وهي ربة بيت من سكان المخيم، إنها تبدأ بالتحضير لضمان الحصول على المياه الباردة هذا العام بدءاً من شهر نيسان (أبريل). وهي تستخدم في العملية عبوات صغيرة وأوعية كبيرة، تجري العناية بها جيداً لضمان تبريد المياه في داخلها ليكون متوفراً في أغلب الأوقات. وتضيف بأنها لجأت إلى تبريد المياه بهذه الطريقة لأن شراء الماء من المتاجر أمرٌ يتعذّر على عائلتها بسبب ضيق ذات اليد.
أما سعيد، فيتابع والدته بشغف وهي تحضّر الأوعية من أجل الحصول على الماء البارد. يعلق قائلاً: نشتري من المتجر عبوة واحدة أو اثنتين على مدار أيام، لكن هذه العبوة غير مخصصة للشرب، بل نستخدمها لتبريد أوعية أكبر لضمان الحصول على كمية إضافية من المياه الباردة نسبياً. ويضيف بأنّ حال عائلته كحال الكثير من عوائل المخيم التي لا تفقد الحيلة في استنباط الحلول على الرغم من قسوة الظروف. ويختم سعيد بالقول: علينا الاستمرار، فليس أمامنا خيارٌ آخر.
مريم الفيصل وفاطمة الأسعد