في مخيم الركبان، يعيش قرابة عشرة آلاف شخص في أوضاع مزرية وسيئة للغاية، في منطقة صحراوية ببادية حمص، بالقرب من الحدود الأردنية السورية، مع بنية تحتية غير صالحة للحياة البشرية. ومع ذلك، يسعى العديد من أهالي مخيم الركبان لزراعة الأشجار المثمرة، أملاً في الاستفادة منها وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، وليصبح وجودهم في المخيم أكثر استقراراً.
وفي هذا السياق، يقول جمال، وهو أحد النازحين المقيمين في مخيم الركبان، في حديث مع شبكة حصار “قمت بشراء عدد من الأشجار المثمرة وزراعتها في مساحة صغيرة بالقرب من المنزل، محاولاً التغلب على الحصار المفروض على المخيم”، مضيفاً: “دفعت فكرة الاستقرار والقبول بالوضع الراهن أغلب الأهالي لزراعة الأشجار المثمرة وغيرها من الخضروات الموسمية، لتأمين القوت اليومي تحت وطأة الحصار. يمكن ملاحظة أن الأساليب المتبعة في الزراعة ما تزال بدائيةً، لكنها مع ذلك مبتكرة وتطبّق مقولة الحاجة أم الاختراع”.
وعن أسعار الغراس ومدى توافرها، يشرح جمال: «تتراوح الأسعار من ٢٠ ألف ليرة سورية إلى ٤٥ ألف ليرة، مثل التوت والرمان والزيتون ودالية العنب. وبعض الأهالي لا يستطيعون شراءها، فيقومون بأخذ عيدان من الأشجار لشتلها من جديد، أملاً في أن تثمر».
ويتحدث لنا أبو محمد عن حبه للزراعة واشتياقه لأشجار الزيتون والرمان في بستانه بمدينة تدمر التي ينحدر منها، وكيف يحاول زراعة ما يشبهها في مخيم الركبان. يقول: «عملتُ بجهد كبير على هذه التربة البائسة عديمة الحياة، فهي تحتاج الكثير من الاهتمام، كتزويدها بالسماد وتغيير التربة وجلب تربة أخرى من مناطق تجمع الأمطار (تراب الفيضة)، وخلطها مع الرمال كي أنجح في زراعة أي نوع من النباتات والخضروات، سواء كانت صيفية أم شتوية. قمتُ بتجارب كثيرة، فزرعت عدة أنواع من المزروعات الموسمية: مثل الباذنجان والكوسا والبندورة والخيار والعجور، وقد نجحت تجاربي بعد محاولات عديدة لخلط التربة مع السماد والرمال أو تغيير التربة بشكل كامل».
ويضيف أبو محمد أنه يعتمد في الزراعة “على تواريخ مسجلة لديه في دفتر صغير، كان يحفظها في السابق وأخرى قام بالتأكد منها عبر الإنترنت»، متابعاً: «كنت أسعى في كل موسم إلى تبذير ما ينتهي موسمه، وكنت أترك بعض الأشجار الموسمية كي تيبس، لأقوم بالاحتفاظ ببذورها للسنة القادمة، كما أعطي مَنْ يطلب مني هذه البذور كي أشجع الناس على الزراعة المنزلية والاكتفاء الذاتي”.
وقد تمكن أبو محمد أخيراً، وبعد تجارب عديدة، من زراعة الرمان والزيتون والمشمش في قلب الصحراء.
هل نعود لنزرع هذه الأشجار في مدينتنا!
من جهته، يروي أبو محمود أنه بعد خمس سنوات من العيش في هذه البقعة من الأرض الصحراوية والقاسية بشمسها وهوائها ورملها، وفي أول مرة رأى فيها شجرةً مثمرة، قد ذهبت ذاكرته مباشرة إلى بيته، وتذكر شجرة التوت وعريشة العنب، ودون أي تردد سأل صاحب المحل: هل هي للبيع؟ فقال نعم. يضيف: «اشتريتها منه دون جدال، وأسرعت بها إلى المكان الذي أسكنه في المخيم فقمت بزراعتها، وأصبحتُ أزورها كل ساعة وأتأملها، وكثيراً ما أسقيها بدموع الشوق لمدينتي ولبيتي، وأتساءل: هل سنعود إلى تدمر لنزرع هذه الأشجار من جديد!»
مريم الفيصل