تزامن ارتفاع أسعار مادة المازوت في مناطق النظام منذ نحو شهر، مع انقطاعها بشكل شبه تام في مخيم الركبان، مع أسعار مرتفعة خلال الأسابيع الماضية وصل فيها سعر الليتر الواحد من المازوت إلى 2800 ليرة سورية.
وألقى ارتفاع أسعار المازوت بظلاله على معظم المواد الأساسية في مخيم الركبان، فطالت آثاره الخبز والمياه: المادتان الأساسيتان لحياة السكان المحاصرين منذ ثلاث سنوات، إضافة إلى مختلف المواد التموينية الأخرى التي ارتفعت أسعارها بنسب متفاوتة.
من أين يأتي المازوت؟ وكيف يصل؟ وبأي الأسعار؟
تدخل المواد التموينية والوقود إلى مخيم الركبان من مناطق سيطرة النظام عبر طرق التهريب، وتتحكم بدخولها الحواجز العسكرية المنتشرة على الطرق الرئيسة التي تحاصر المخيم من ثلاث جهات، بعد فرض أتاوى على السيارات التي تنقلها.
يقول خالد أبو عبد الله، وهو بائع محروقات في المخيم: «جميع كميات الوقود تدخل إلى المخيم من مناطق سيطرة النظام عبر شاحنات نقل الأعلاف؛ قسم منها يأتي من ريف دمشق، في حين يأتي القسم الأكبر من محافظة حمص، التي تبعد نحو 300 كيلومتراً عن الركبان».
يُشار إلى أن قوات النظام تمنع دخول هذه البضائع إلى مخيم الركبان، لذا فهي تدخل عبر طرق تهريب، وتتعرض شاحنات النقل للمساءلة والحجز وغرامات مالية كبيرة في حال الإمساك بها.

ومع ارتفاع سعر المازوت، بحسب تسعيرة النظام الرسمية، إلى ٥٠٠ ليرة سورية بدلاً من ١٢٥ ليرة في السابق، وفي الوقت الذي يعاني فيه سكان مناطق سيطرة النظام من أزمة حادة نتيجة نقص الوقود ويقفون في طوابير طويلة أمام الكازيات للحصول على كميات محدودة عبر البطاقة الذكية، ينشط تجار يتبعون للنظام ببيع الوقود في السوق السوداء، وبأسعار مرتفعة تصل إلى أربعة أضعاف السعر الرسمي.
وأجبرت قلة الوقود في مناطق النظام أصحابَ شاحنات التهريب إلى مخيم الركبان برفع أسعار الوقود، تماشياً مع سعرها والتكلفة التي يدفعونها لإيصالها إلى المخيم. يقول أبو عبد الله: «إن سعر لتر المازوت ارتفع من 1700 إلى 2800 ليرة سورية خلال شهر واحد، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار معظم بضائع المخيم ومواده الأساسية، فضلاً عن التسبب بمعاناة إضافية للسكان المحاصرين.
كميات المازوت إلى النصف والتجار يحتكرونها
يقدر بائعو وقود تحدثنا إليهم كمية المازوت التي كانت تدخل شهرياً إلى مخيم الركبان بأزيد من مئة برميل، تراجعت كمياتها في الشهر الأخير إلى النصف، وذلك بسبب ارتفاع أسعارها وضعف القوة الشرائية للسكان من جهة، وقلة وجودها من المصدر في مناطق سيطرة النظام من جهة ثانية.
يقول خالد الياسين، وهو بائع وقود في مخيم الركبان، إنه «يشتري حاجته من تجار في المخيم يسيطرون على الكميات التي يأتي بها المهربون بالكامل، ويفرضون أسعارها على الجميع، بما فيهم بائعي الوقود أنفسهم، والذين يضطرون لشرائها نتيجة عدم وجود طرق أخرى تمكنهم من الحصول عليها».
ويضيف الياسين: «منذ أيام أغلقت بسطتي لعدم تمكني من الحصول على الوقود لإعادة بيعه»، وذلك لأن تجار الوقود في المخيم «يحتكرون الوقود عبر شراء كامل الكميات من المهربين، ويقومون بتخزينها لبيعها لاحقاً بأسعار أعلى». ويخضع سعر الوقود في المخيم لسياسة العرض والطلب، إذ لا توجد أي جهة رقابية على الأسعار، وتغيب المؤسسات التموينية بالكامل، ويعود تسعير البضائع، بحسب من تحدثنا معهم، إلى تقدير أصحابها من التجار».

وزن الخبز إلى النصف ومياه الشرب بـ “الحسرة”
بالمقارنة بين وزن ربطتي خبز، قبل شهر واليوم، انخفض وزن الربطة من كيلو غرام إلى 600 غرام بعد ارتفاع سعر مادة المازوت، الوقود الأساسي في الفرن الوحيد العامل في المنطقة.
يقول محمد، أحد سكان مخيم الركبان، إن عدد الأرغفة «انخفض في ربطة الخبز الواحدة من 13 إلى 8 أرغفة، وإن عائلته المكونة من خمسة أشخاص كانت تحتاج يومياً لربطتي خبز، تباع بألف ليرة، ولكنه اليوم يحتاج إلى 3 أو 4 ربطات لتغطية حاجة عائلته».
الأثر الأكبر الناجم عن ارتفاع سعر المازوت طال المياه في المخيم الصحراوي، تقول أم يوسف، ٤٥ عاماً نازحة إلى المخيم من مدينة تدمر: «زاد سعر برميل الماء الواحد (٢٠٠ لتر) من ٨٠٠ إلى ٢٠٠٠ ليرة سورية»، مشيرةً إلى أن «العائلة المكونة من خمسة أشخاص تستهلك يومياً، خلال أشهر الصيف وارتفاع درجات الحرارة، نحو برميلين من المياه، ما يعني حاجتها لنحو ألفين وخمسمائة ليرة سورية يومياً، لتأمين المياه زيادة عن الأسعار السابقة».
كما شهد المخيم ارتفاعاً في أسعار البضائع الأخرى، إذ زاد سعر اللبن إلى 2000 ليرة بدلاً من 1300، ووصل سعر كيلو البندورة والبطاطا إلى 1700 بعد أن كان يباع خلال الشهر الفائت بـ1200 ليرة. أما الدراق وأنواع أخرى من الفاكهة ارتفع سعر الكيلو الوحد منها إلى 5000 ليرة بعد أن كان يباع بحدود 3000 ليرة.
تقول أم يوسف إن الأوضاع في المخيم «لا تطاق»، مع استمرار الغلاء وارتفاع الأسعار، وتشرح لنا كيف تضاعفَ مصروف عائلتها المكونة من 5 أشخاص خلال شهر واحد: «مصروف مادة الخبز زاد نحو 45 ألف ليرة، والمياه بمقدار ٧٥ ألف، ووقود الطبخ زاد بمقدار 30 ألف شهرياً». وتقدر أم يوسف الزيادة، قياساً بمصروف عائلتها، بنحو 300 ألف ليرة شهرياً، وهو ما يزيد على دخل عامل مياومة شهرياً بنحو أربعين دولاراً.
بعيداً عن احتياجات العائلة من الطعام، يركن سكان في المخيم مركباتهم ودراجاتهم النارية في منازلهم، ويستخدمون أقدامهم للتنقل في المخيم ولمسافات طويلة في ظروف جوية سيئة، إذ تزيد درجات الحرارة في المخيم عن 42 درجة مئوية خلال شهر آب الحالي. يقول سامر المحمد، وهو نازح من مدينة تدمر: «أمشي يومياً نحو كيلومترين للوصول إلى مكان عملي بعد ارتفاع سعر البنزين، كما أن زوجتي لم تستطع منذ ثلاثة أيام تحضير الطعام لعدم توفر الوقود وارتفاع سعره إلى حدود نعجز عن تأمينها».
الوسائل البديلة
يعتمد أكثر من نصف سكان مخيم الركبان على المازوت كوقود للطهي في المخيم، بدلاً من الغاز الذي وصل سعر الأسطوانة الواحدة منه إلى نحو 95 ألف ليرة. ومع ارتفاع سعر المازوت لجأ سكان في المخيم إلى جمع الكرتون وأكياس النايلون وإشعالها لطهي الطعام، كما أنهم توجهوا لصناعة الخبز في المنازل بعد ارتفاع سعره في الفرن.
وصار سكان من المخيم يعتمدون على الحناتير لنقل المياه، إذ يباع البرميل الواحد، بحسب المسافة التي يقطعها الحنتور، بسعر يتراوح بين 500 إلى 1000 ليرة سورية.
محمد عمر