تحوّل مخيم الركبان، تدريجياً، من نقطة تجمع وعبور للنازحين من سوريا نحو الأردن إلى مخيم كبير للنازحين في البادية السورية. وخلال مراحل عديدة، شهد المخيم محاولات شتى من جانب النازحين لتحويله إلى مكان قابل للسكن، إلا أن معظم هذه المحاولات أتت على شكل استجابة طارئة للمشاكل التي يواجهها الأهالي. لذا كانت تفرز مشاكل أخرى أكثر تعقيداً وخطورة، ومنها نظام الصرف الصحي، الذي تبدّل شكله مع الوقت، وتنوعت آثاره السيئة على المستويات البيئية والصحية والاجتماعية.
آلية التصريف وآثاره
مع توافد النازحين التدريجي وبناء الخيام على الحدود السورية الأردنية، لم يكن قد حُسم بعد مصير النازحين في المخيم ومدة بقائهم فيه، ولذلك طغت الحلول البدائية المؤقتة في مواجهة معظم الاحتياجات الأولية والطارئة، وعلى رأسها مسألة الصرف الصحي. وظهرت بدايات نظام الصرف الصحي في المخيم بعد وقت وجيز من توافد النازحين إليه منتصف العام 2015، من خلال تجهيز حفر صغيرة بأبعاد (100 طول، 60 عرض، 150 ارتفاع).
كانت معظم هذه الحفر مكشوفة، والقسم القليل المُغطى منها فبشكل بدائي عبر استخدام الشوادر والبطانيات. ولم يمنع هذا الأسلوب، بطبيعة الحال، من أن تتحول مثل هذه الحفر إلى مصدر لرائحة كريهة بدأت تنتشر بشكل واسع في المخيم، أجبر الأهالي إلى استخدام اللثام خلال تجوالهم بين الخيم.
وأما الأخطر من ذلك، فهو تحوّل هذه الحفر إلى فِخاخ سقط فيها بعض سكان المخيم، ما أدى إلى وفاة 3 أطفال، بحسب ما أفاد به لشبكة الركبان شكري شهاب، مدير نقطة تدمر الطبية في المخيم. ولم تتوقف آثار هذه الحفر عند هذا الحد، بل تسببت بانتشار حمى التيفوئيد وبعض الأمراض الجلدية، نتيجة انتشار الحشرات الناقلة لهذه الأمراض، وذلك وفق ما أفادت به النقطة الطبية في المخيم.
محاولات للحد من الأضرار
الآثار الضارة لنظام التصريف البدائي استدعت التفكير بمحاولات للانتقال إلى نظام صحي أكثر تطوراً، بدأت ملامحه منتصف عام 2016، وذلك من خلال اللجوء إلى تجهيز حفر أكبر.
يحدثنا، محمد الطويل، وهو أحد النازحين المخيم، أنه ساهم في حفر الحُفر القديمة، وكان يتقاضى أجرة قدرها ألف ليرة سورية فقط، بينما تصل كلفة الحفرة الواحدة حالياً إلى نحو 40 ألف ليرة. وبيّن الطويل أن الحفر الجديدة يصل حجمها إلى ثلاثة أضعاف الحفر القديمة، وتجري تغطيتها بشكل أفضل باستخدام سقف يشبه أسقف الغرف العادية، كما تُغطى الحفر بغطاء بلاستيكي لتمييزها منعاً لسقوط الناس فيها.
واستدرك الطويل قائلاً: «رغم هذه المحاولة التي حدّت نسبياً من الأضرار، إلا أن بعض الآثار السلبية بقيت»، مضيفا بأن حل مشكلة نظام الصرف الصحي «تحتاج جهوداً ودعماً لا يتوفر الآن في المخيم».
فضلاً عن ذلك، ما تزال الحفر القديمة البدائية موجودة، وذلك بسبب عدم قدرة العائلات الفقيرة على تحمل تكاليف إنشاء الحفر الجديدة، التي تتطلب قرابة ثلث متوسط الدخل في المخيم.
ولا يقل الضرر الناتج عن تصريف مياه المطابخ والغسيل عما تسببه الحفر البدائية، إذ يتم تصريف هذه المياه بشكل سطحي، وتجري مثل السواقي بين البيوت، حاملةً معها الكثير من الأضرار.
لا تبدو نهاية معاناة النازحين في مخيم الركبان واضحة المعالم، لذا صار البحث عن حلول ناجعة وحاسمة لكثير من المشاكل أمراً لا مفر منه، وفي مقدمة ذلك الصرف الصحي، الذي يتسبب بمشاكل صحية كبيرة، في ظل ضعف شديد في المنظومة الصحية المتوفرة في المخيم، وتخلي الكثير من المنظمات المحلية والدولية عن دعمه، علاوةً على إغلاق الحدود الأردنية التي كان تتدخل هذه المنظمات من خلالها.
مريم الفيصل