لا يوجد في مخيم الركبان الحدودي مع الأردن أية عيادات لطب اسنان يقوم عليها أطباء، لذا اتجه بعض القاطنين فيه إلى مناطق سيطرة النظام عند وجود آلام كبيرة، بينما راح القسم الأكبر من الأهالي يستخدمون طرقاً بدائية في التعامل مع آلامهم، مثل تحريك الضرس أو السن باليد، ثم إزالته بآلة قلع المسامير، بعد تعقيمها بالماء والملح. وهذا بالضبط ما فعله أبو ياسين للتخلص من الألم الذي رافقه عدة أيام بحسب ما ترويه زوجته.
من العام 2017 وحتى منتصف عام 2019، كان الممرض أبو أحمد في الحي التدمري لديه فقط أدوات للقلع، وكان يؤدي المهمة بأسعار بسيطة، لا تتجاوز 1000 ليرة سورية، غير أنه ترك المخيم منذ عامين متجهاً إلى مناطق سيطرة النظام.
بعد رحيل أبو أحمد، تولى هذه المهمة أبو علي، وإضافة إلى قلع الأسنان، صار يعالج الالتهابات ويضع الحشوات الخاصة ويركب الأسنان الاصطناعية. حدثنا قائلاً: «لست مختصاً، ولكني اكتسبت معلومات عن التمريض ومعالجة الأسنان أثناء خدمة الجيش في إحدى المشافي العسكرية، كما استفدت مما تعلمته هنا في المخيم. وفي عام 2018 اشتريت معدات بسيطة عن طريق التهريب من النظام». يحرص أبو علي على منع دخول الغبار والملوثات إلى عيادته الطينية الصغيرة عبر إغلاق مداخلها بوسائد صغيرة، كما أن نوافذ العيادة أصغر من المعتاد. كما أن سقف العيادة قليل الارتفاع وعبارة عن أعمدة حديدية، يعلوها شبك معدني، ومن فوقه غطاء من كبير من النايلون كبير ومن ثم تراب.
العيادة بدون أبواب
يضع أبو علي على أحد الجدران رفاً معدنياً بداخله علبة مناديل وبعض الحشوات وعلب الأسنان الاصطناعية وبعض متطلبات العمل الأخرى، ويضع في النافذة الصغيرة جهاز حفر الأسنان. وثمة في العيادة سرير معدني وحيد يستلقي عليه المرضى، وعلى أحد قوائم السرير ثبّت أنبوباً يعلوه ضوءٌ صغير، وهو عبارة عن ضوء شحن يعتمد على الطاقة الشمسية كان استلمه في دفعة للمساعدات الإنسانية وصلت إلى المخيم في وقت سابق.
على يسار المريض هناك وعاء استحمام بلاستيكي مثقوب من الأسفل، وموصول بقنينة ماء فارغة، وهو ما يستخدمه المريض للمضمضة وغسل الفم. أما على اليمين، فهناك كرسي أبو علي الحديدي، وفي أسفل السرير تنكة زيت معدنية فارغة تستخدم لرمي المناديل، التي تستعمل بدلاً من القطن.
يقول أبو علي: «لا يوجد في العيادة، ولا في المخيم كله، كرسي كذلك الذي نراه في عيادات طب الأسنان، كما لا أملك أدوات نفخ الهواء أو مولدة كهرباء. لذا فأنا أعقم بالكلور بدلاً عن الحرارة، رغم أن لدي فرن، ولكن تنقصني الكهرباء اللازمة لتشغيله». ويضيف أبو علي عن آلية وصول متطلبات العيادة: «تأتي الأدوية والأدوات عن طريق سيارات البضائع من مدن النظام، وهذا ما يجعل أسعارها مرتفعة، وهناك اشخاص يقدمون مساعدات بسيطة لمعاونتي على شراء الأدوية، كما ساعدوني على شراء جهاز حفر الأسنان».
يزور العيادة عدد لا بأس به من المراجعين على مدار اليوم، فأبو علي موجود في كل وقت، كون العيادة عبارة غرفة من بيته المكون من غرفتين: واحدة لاستقبال المرضى والأخرى للعائلة.
التعامل مع حالات حرجة
تأخرت زينب (اسم مستعار) في الذهاب إلى العيادة رغم الآلام التي كانت تعانيها في فمها، وذلك لأنها حامل في الشهر الثامن، وخشيت على الجنين في حال حدوث نزيف أو تلوث، فأدى تأخرها إلى زيادة الالتهاب في اللثة مع انتفاخ في الخد وصل إلى حد منعها من فتح فمها. يقول أبو علي: «لم يكن أمامي سوى شق أسفل الخد من الخارج كي يخرج الدم والاحتقان، ثم طلبت إليها استخدام مضاد للالتهاب».
إلى ذلك، يزور العيادة أشخاص يعانون من امتداد اللثة على الأسنان، كما يتعرض البعض لمشاكل فموية نتيجة اللعب أو الحوادث المرورية. يشرح أبو علي تعامله مع هذه الحالات: «تتكسر الأسنان وتتعرض اللثة للضغط، فأقوم بقلع الأسنان التي تتحرك وأعالج اللثة المصابة. هذا كل ما بوسعي فعله».
ولا يستطيع كل سكان المخيم دفع أجوار مداواة أسنانهم وإصلاحها، فيعالجهم أبو علي مجاناً. أما لائحة الأسعار، فتتغير بين فترة وأخرى. يقول أبو علي: «كانت أجرة قلع السن سابقا 1000 ليرة سورية، وارتفعت الآن إلى 1500 ليرة، وذلك بسبب ارتفاع سعر حقنة التخدير من 3 آلاف ليرة إلى 8 آلاف. كما تضاعفت أجرة حشو الأسنان من 5 آلاف إلى 10 آلاف، أما كلفة تركيب الضرس فوصلت اليوم إلى 20 ألف ليرة».
تصل الأسنان الاصطناعية إلى المخيم بأحجام عشوائية وبدون أخذ القياسات المطلوبة لكل لمريض. ويرى أبو علي أنها، نظراً إلى ظروف المخيم، تحل المشكلة إلى حد بعيد. ويضيف: «بعض المرضى يطلبون أخذ قياسات أسنانهم أو اضراسهم وإرسالها إلى مناطق النظام، ولكن ذلك يزيد كثيراً من كلفتها».
ويقول أبو عادل، وهو أحد الذين قصدوا العيادة للتداوي: «بدأ ضرسي يؤلمني منذ أسابيع، فلجأت إلى الحبوب المسكنة ومضادات الالتهاب، ولكن من دون جدوى. توجهت بعدها إلى عيادة أبو علي، وبعد معالجة الالتهاب قام بقلع الضرس باستخدام أدواته البسيطة، فارتحت من الألم». أما أبو سعيد، فلم يلجأ إلى العياذة رغم الآلام التي سببها ضرسه المكسور. يقول: «وأخذ الضرس يجرح لساني من الجانب الايسر، وفي ظل غياب طبيب مختص في المخيم، قمت بتعقيم مقص الاظافر بالماء والملح، واستخدمت المبرد بلطف حتى بردته بحيث لا يجرح لساني مجدداً».
بالإضافة إلى عيادة أبو علي، يوجد في مستوصف الشام بمخيم الركبان ممرض يمارس نفس العمل باستخدام معدات بسيطة مشابهة لمعدات أبو على، وهو مجاني كون فصيل مغاوير الثورة، الذي يدعم المستوصف، يقدم رواتب شهرية للعاملين فيه.
فاطمة الأسعد