المثلجات في صحراء الركبان

 

تختفي ظاهرة الباعة المتجولين تدريجياً، حتى تكاد صورتهم تبدو لنا من زمن غابر، لكن الأمر يبدو مختلفاً في مخيم الركبان، حيث أدت ظروف الحياة القاسية هناك إلى انتشار الباعة من جديد، بغية تحصيل لقمة العيش، لا سيما مع ندرة فرص العمل وتفشي الفقر.

تتنوع بضائع الباعة طوال العام، ومع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة وانعدام وسائل التبريد، تبدو المثلجات (البوظة) منتجاً مغرياً للباعة والسكان على حد سواء، علَّها تخفف مرارة المكان وحره.

حسين هو واحدٌ من هؤلاء الباعة الذين وجدوا في بيع البوظة دخلاً بسيطاً قد يؤمن له ولعائلته قوت يومهم في موسم الصيف، أو «موسم البوظة» كما يسميه. يحمّل حسين بضاعته على دراجته النارية، بعد تخزينها في إناء عازل يحفظ للبوظة برودتها وانتعاشها تحت شمس المخيم الحارقة، وينطلق في أزقة المخيم معلناً قدوم لحظة فرح للأطفال، الذين يتراكضون خلفه ويتتبعون صوته الذي يردد عالياً: «باااارد.. بوظة باااارد»، ليشتروا منه قرن بوظة صغير بقيمة خمسمئة ليرة سورية، بينما يصل سعر كيلو غرام من البوظة إلى خمسة آلاف ليرة. يقول حسين أنه يتقاضى أجراً بقيمة ألف ليرة سورية مقابل كل كيلو غرام يبيعه، بينما تذهب بقية الأرباح إلى صاحب العمل الذي يتكفل بتأمين الدراجة والوقود.

كما يقوم أصحاب بعض المحال التجارية الصغيرة في المخيم، على مختلف أنواعها، ببيع البوظة في الفترة الممتدة من حزيران وحتى نهاية أيلول، كما هو الحال مع أبو رزّاق: «أصنع البوظة بنفسي. أبدأ بغلي خمسين كيلو غرام من الحليب في وعاء كبير وخاص، ثم أضيف السكر والسحلب، وبعدها أفرغ الخليط في صفائح مخصصة للبوظة، وأبدأ بتشغيل آلة البوظة، مضيفاً لكل صفيحة النكهات والألوان المناسبة لها. فمثلاً، أقوم بإضافة الكاكاو أو الكابيتشينو إلى الخليط عنما أريد صنع بوظة الكاكاو أو الكابيتشينو».

محل لبيع المثلجات في مخيم الركبان

ويكمل أبو رزاق وصفاته المميزة قائلاً: «كما أقوم بإضافة جوز الهند والبسكويت وبعض النكهات اللذيذة إلى خليط الحليب والسحلب، ثم أزينها بالفريز والليمون اللَّذين يضيفان مذاقاً ولوناً رائعين للبوظة، وربما لحياتنا القاحلة في هذه الصحراء. وتستغرق عملية صنع كل نوع حوالي 25 دقيقة، وعندما تصبح جاهزة أضعها في الثلاجة التي تعمل على الطاقة الشمسية في النهار، بينما تفي المولدات الكهربائية بالغرض مساءً. أبيع الكيلو بسعر خمسة آلاف ليرة، بيما يبلغ ثمن الكأس الواحدة من البوظة ألف ليرة، أو حسب الطلب».

وبينما تثير عبارات حسين الرنانة، وثلاجة أبو رزاق المليئة بالمثلجات الشهية، حماسة الأطفال هناك، فإنها تثير قلق الأهالي وتزيد من حسرتهم، حيث لا يمتلك معظم السكان ثمن المثلجات التي أضحت رفاهية بالنسبة لهم. إذ تصف أمٌّ تعيش في المخيم مع أطفالها السبعة حزنها الشديد لعدم استطاعتها شراء شيء بسيط كالمثلجات لأطفالها، وحرمانهم من أشياء كثيرة نتيجة الوضع المأساوي للأهالي في المخيم: «عندما يتمسّك بي أولادي ويبدؤون بالبكاء لإرغامي على شراء البوظة لهم، أشعر بالحزن الشديد ولا أعرف كيف أقول لهم إنني أخشى ألّا أجد ثمن رغيف خبز يبقيهم على قيد الحياة».

مريم الفيصل