العاصفة الغبارية تحفر صدور الركبانيين وبيوتهم ولا تترك أثراً في ضمائر الأمم المتحدة ومنظماتها

قطع ثياب مبللة بالماء، رجال يمسكون أوتاد خيامهم، آخرون يحضنون أطفالهم في إحدى زوايا بيتهم الطيني، الرؤية شبه معدومة تخترقها دراجات نارية تسعف أطفالاً ومرضى إلى النقطة الطبية بحثاً عن جهاز إرزاز خوفاً من الاختناق. بهذه الجمل يمكن تلخيص مشهد حياة سكان مخيم الركبان عند كل عاصفة غبارية تضرب المكان.
تتالى العواصف الغبارية في المخيم الصحراوي المحاصر، كان آخرها يوم الثلاثاء الماضي، واستمرت لست ساعات قبل أن تنتهي مخلفة أضراراً صحية ومادية في المكان.

لا سقف يحمي من العواصف الغبارية

“تفاوتت العاصفة الغبارية بين الشديدة أحياناً والأقل شدة، شعرت الوقت أصبح ليلاً ونحن في الساعة الثانية ظهراً” يقول وضاح أبو عدنان، النازح إلى مخيم الركبان منذ نحو خمس سنوات، وتقتلع عند اشتدادها الأسقف المصنوعة من الشوادر، وتترك آثارها على جدران المنازل ما يسبب بخطر على حياة السكان.


ترك أبو وضاح عمله ليلتحق بعائلته، يقول “كانوا في حالة ذعر شديد، جلست بينهم إلى حين انتهاء العاصفة وعيني معلقة بالسقف خوفاً من تمزقه”.
محاولات الاحتماء من العاصفة الرملية في مخيم الركبان غالبا ما تكون بلا جدوى، فالنازحون يقيمون في غرف طينية سقفها عبارة عن شادر من النايلون، أو خيام بدائية لا تحميهم من البرد والحر ولا من الغبار، نوافذ أبوابها في الغالب هي عبارة عن بقايا بطانيات أو قطع قماش.


يقول من تحدثنا معهم إن أقصى ما يمكنهم فعله الانتظار حتى انتهاء العاصفة، والاستعانة بقطع من القماش المبللة بالماء ووضعها على وجه أطفالهم لتخفيف حدة الغبار.

ما بعد العاصفة

“نشعر بأننا خرجنا من قبورنا أحياء”، هكذا وصف محمد الحسن، ما بعد العاصفة الغبارية، ويضيف “مع قدوم العاصفة، يراقب الناس ما يحيط بهم، قد تقع الخيمة في أي لحظة، أو يطير سقف الغرفة الطينية، المكون غالباً من شادر نايلون أو بعض القصب والخشب، تتمزق أغلب الشوادر، في بعض الأحيان تهدم أجزاء من البيوت الطينية بسبب سرعة الرياح، فبعد كل عاصفة يجب علينا إعادة ترميم ما خلفته العاصفة من دمار”.

فوق الموته عصة قبر

بهذا المثل الشعبي بدأ ماهر المحمد كلامه عن آثار ما بعد العاصفة الغبارية عليه، يقول إن زوجته مصابة بمرض الربو، ومع كل عاصفة غبارية يجب عليه قطع مسافة 6 كم ليتمكن من الوصول إلى المستوصف.
يخبرنا ماهر إنه يعتمد على دراجته النارية في نقل زوجته إلى المستوصف وسط العاصفة، فلا سيارات إسعاف تخدم سكان الركبان، يقول “الرؤية شبه معدومة نتيجة الغبار الكثيف، وحالة زوجتي تزداد سوء في كل دقيقة، كلما التفت إليها شعرت بها تلفظ أنفاسها الأخيرة ولا أملك سوى المتابعة والدعاء”.

جهاز أوكسجين واحد في المخيم

داخل المستوصف ينتظر ماهر وزوجته دورهما في انتزاع بعض الأوكسجين تريح به صدرها المغلق وأنفاسها المتقطعة، يقول ماهر، كان الدور طويلاً ولم نكن نملك رفاهية الانتظار، الجميع ينتظر دوره في طابور على الهواء.
يصف أبو محمد، ممرض في نقطة شام الطبية داخل الركبان، حال الأهالي وسط العاصفة الرملية بـ “الكارثي”، خاصة لمن يعاني من ضيق تنفس والحساسية، يصلون إلى المستوصف للحصول على الإسعافات الأولية.
ويضيف أن “عدد الذين أسعفوا إلى النقطة الطبية خلال العاصفة التي ضربت المخيم، يوم الثلاثاء، 15 شخصاً”، أغلبهم من الاطفال والنساء، ويقول إن النقطة بحاجة إلى أجهزة إرزاز وأوكسجين، إذ لا يوجد سوى جهاز واحد في المستوصف يتناوب عليه المرضى بشكل مستمر، ولا تزيد حصة أحدهم عن ربع ساعة لإفساح المكان لمرضى آخرين.
لا يمر شهر دون عاصفة غبارية في المخيم، تتفاوت حدتها، ولكنها تترك آثارها على أنفاس سكان المكان وتحفر عميقاً في جدران بيوتهم الطينية وشوادر خيامهم، دون أن تحفر في صدر المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة التي أوقفت الدعم عن الركبانيين المحاصرين منذ ما يزيد عن سنتين.

عماد غالي