تدمر تواجه القريتين، وربما توجه العشائر، بالطبع في كرة القدم، لكن أن يحدث ذلك في مخيم الركبان، فهذا ما قد يفاجئ الصحراء نفسها، التي يقوم فوقها في تلك البقعة تحديدا، مهرجانا للتحدي والفرح، في مكان كل تفاصيله باعثة على القهر والأسى واليأس.
يئن مخيم الركبان تحت وطأة حصار جائر حوله إلى ما يشبه معسكرات الاعتقال، وكون المخيم في بقعة نائية، فقد انعكس ذلك على جميع نواحي الحياة فيه، وفي مقدمة ضحايا هذه الظروف هم الأطفال ومستقبلهم، والشباب وطموحاتهم.
لكن، وفي خطوة عنوانها التحدي، قرر بعض الشبان المحبين للرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص، تجهيز ملعب في المكان، وشكلت كل مجموعة باسم المدينة التي نزحوا منها.
![](https://hesar.net/wp-content/uploads/2022/04/1_zvzwbl465-lof-qrLeHagg.jpeg)
أبو حمد، وكان يدرب كرة القدم في مدينته تدمر قبل النزوح، يقول إن لهذه اللعبة سحراً يغلب ويقهر كل الظروف، ولهذا هيئنا الأرض هنا، واقتلعنا الأحجار، وبنينا المرمى من عصي، وضمن الحد الأدنى صار هناك ملعب كرة قدم في مخيم الركبان، حين رآه الكثيرون أصيبوا بالدهشة على بساطته.
أبو نوران، وهو من أفراد فريق تدمر، يقول إن كرة القدام هوايته المحببة، وأجمل ما فيها أنها هواية جماعية، وبدأت هذه الروح بالتعاون الجماعي لتجهيز الملعب كما كان مخططا له.
استقطب الملعب واللاعبين النازحين في المخيم، المنهكين في إيجاد ظروف تساعدهم على الاستمرار في حياة المخيم، ويقول أبو محمود، وهو أحد الحاضرين للتشجيع، إن مجيئه إلى هنا يعد متنفسا له من ضغوط الحياة في المخيم، نحن نستمتع بمشاهدة كرة القدم ونفرغ أيضا ما في دواخلنا، حين نصرخ مشجعين وداعمين.
![](https://hesar.net/wp-content/uploads/2022/04/1_GtgztaZ6yIywHJc1UZcVTg.jpeg)
تعددت الملاعب في الركبان، وصار لكل حي ملعبه، يحاول سكان الحي تهيئته بأقصى ما هو متاح، لكن انتشار الحصى الصغيرة تظل عائقا. وهذا ليس هو العائق الوحيد، فالإمكانيات اللازمة كما كل شيء في مخيم الركبان، شح وعوز، فمعظم اللاعبين مثلا لا يملكون أحذية رياضية.
أبو صالح من جانبه، وهو لاعب كرة قدم سابقا، يقول إنه من المذهل ما يفعله شبان المخيم، هذه إحدى تجليات الإرادة عندهم، ومن اللافت رغبتهم في الكمال، كل شيء كما هو في الحقيقة، ملعب وحكام وصافرة وكرت أحمر وآخر أصفر، اللعب في الأحياء عادة لا يتطلب كل ذلك.
![](https://hesar.net/wp-content/uploads/2022/04/1_qesG3z28htoaHht6hqnj7A.jpeg)
ويضيف بحكم خبرته السابقة، أجد أمامي شبانا متألقين وبعضهم لديه فرصة ليكون محترفا، يفرحني ذلك ويحزنني، هذا المكان أرض ميتة، لا مكان للفرص هنا.
على أطراف الملعب، تفنن المشجعون كذلك في وسائل صناعة جو حماسي، اخترعوا الدفوف والصافرات، لقد حول الشبان هذا النشاط إلى حديث يتداوله الأهالي في التجمعات.
يختم محمد قائلا، ربما يعتقد من يشاهدنا في الخارج أننا مجرد أشخاص يستمتعون بلعب كرة القدم، الأمر ليس كذلك، هذا أمر ليس طبيعيا في المخيم، ما يحدث حرفيا هو أننا نصنع حياة لا لعبة.
مريم الفيصل