يستعجل الطفل فارس (12 عاماً) والدته أثناء تنسيقها، بعناية، طبق الطعام “السكبة” الذي سيأخذه إلى منزل جيرانهم في #مخيم_الركبان، قبل أذان المغرب، يمشي بأقدام مسرعة ويداه ثابتتان حول الطبق، ويعود ليجد أطباقاً متنوعة أخرى على مائدتهم.
تخبرنا نساء في #الركبان أنّ السكبة خضعت لشيء من التقنين، لكن أطباق الطعام ما زالت تدور على المنازل كل يوم، في حين يتسابق الأطفال، بكل فرح، لإيصال الأطباق المميّزة.
“السكبة” عادة قديمة تعود للواجهة بقوة في رمضان، من باب زيادة البركة في الطعام وإظهار الود والمحبة للجيران، بتقديم ما يترك أثراً جميلاً في نفوس الصائمين، ووسيلة لتنويع موائدهم.
تخلق “السكبة” فرصة لتذوق الصائم أطعمة متعددة بأقل تكلفة، والتعرّف على فنون طهي جديدة، تقول أم سعيد إن نقاشاً مسائياً يدور بين النساء عنوانه “السكبة”، كل واحدة منهن تدلي بإعجابها، أو نصائحها وانتقاداتها لمذاق الأطباق التي حملها الأطفال.
تغيّرت عادات السكبة نتيجة النزوح وسوء الأحوال الاقتصادية، تخبرنا أم سعيد وهي تستعيد مشاهد من ذاكرتها القريبة، أنها كانت تحرص على إرسال طبق جديد كل يوم، مع تزيينه وإضافة المقبلات له، وأن ترد لجيرانها أطباقهم بأفضل ما عندها، أما اليوم تختصر في كمية الطعام قدر الإمكان، وقد لا ترسل أحياناً أكلة “ دسمة”، مكتفية بما تطبخ في بيتها.
ترى نساء في المخيم أن السكبة تسبّب إحراجات لهن، خاصة أن الأحوال المعيشية تغيّرت كثيراً للأسوأ، وتكلفة الأكلات باتت مرتفعة، لذلك لجأن إلى تقليل عدد الأطباق، أو الامتناع عن إرسالها، أمّا أم سعيد تدافع عن طبق” السكبة” في الشهر الفضيل، بالرغم مما يسببه، وتتمسّك بممارسة هذا الطقس الذي تراه من “جماليّات” رمضان، فالسكبة ستزيد الطعام ولن تنقصه، إضافة إلى أن أغلب سكان المخيم يتشابهون في أحوالهم الاقتصادية،” أغلبنا فقراء وما ضل حدا يدقّق”، تستطرد بالمثل الشعبي” الجود من الموجود”.
تشعر أم عمر هي الأخرى بالحرج حين يصلها طبق رئيسي أو دسم، تخبرنا أنها لم تطبخ منذ بداية رمضان إلا أطباقاً بسيطة، لترسلها لجيرانهم، فهي تخجل من إرسالها فارغة، لذلك تستعين من مسكبتها بخضروات مثل البقدونس والنعنع والجرجير والبصل الأخضر، وتضيفهم إلى طبقها الخجول، ثم تلفه بكيس أسود كي لا يراه أحد.
تضيع صحون “ السكبة “ في بيوت الركبان، لا يعرف الأطفال في أي مطبخ استقرّت، إلا أن أمهاتهم يعرفن مكانها، ويستطعن تمييز صحونهن بمجرد أن يروها، مع ذلك لا يلقين بالاً لذلك، ولا يسألن عنها، فهي ستعود حتماً ومحملة بأكلات رمضانية قبل نهاية الشهر الفضيل.