ما أن انتهت أم عوض، الخمسينية التي تعيش في مخيم الركبان، من تحضير خبزها اليومي، حتى أخبرها ابنها، الذي جلب لها طحين خبز الغد، عن حلويات متنوعة شاهدها في السوق. لمست أم عوض رغبة والدها الشديدة بتذوق الحلوى التي لم تدخل بيتهم منذ أشهر، بادرته القول “سأصنع لك ما هو أطيب منها “، أوقدت مجدداً، تحت الصاج وبدأت تصنع حلوى الفتّيتة.
الفتيتة، بحسب صفحة دير الزور ذاكرة الفرات، أكلة من التراث الفراتي، يأتي اسمها من مصطلح “الفتّ “ وهو تقطيع الخبز إلى أقسام صغيرة، كانت تحضّر بسكب السمن العربي والسكّر فوق خبز التنور المقطّع فور خروجه من بيت النار، ثم توضع على مصدر حراري، مثل سطح التنور، كي يشرب الخبز السمن العربي، ويذوب السكر، وتصبح جاهزة للأكل.
تصنع أم عوض رغيفاً أسمك من رغيف الخبز وبحجم أقل، تثقبه برؤوس أصابعها كي ينضج بسرعة، وتضعه على الصاج الذي استبدلته بالتنور، فوق نار هادئة لمدة دقيقة، ثم تضع الزبدة وترش السكر فوقه، لتبدأ بفركه حتى يصبح خليطاً متجانساً بلون واحد، تنسّقه بيديها على شكل أقراص أو كرات حتى تصبح جاهزة للأكل، تروي أم عوض أن جدّتها كانت مواظبة على صنع الفتيت في تدمر، وفق الطريقة الفراتية، إذ تجمع الأطفال حولها والكل يأخذ حصته، وبعد صلاة الجمعة يتوافد رجال الحي على التنور لتذوّقها.
“من يخبز في بيته، كيف له أن يشتري الحلوى” تقول أم عوض في إشارة إلى ضيق حالهم، تخبرنا أن تكلفة الفتيتة بمكوناتها البسيطة 8000 ليرة سورية، ومع ذلك هي أرخص من حلويات تباع بـ15000 ليرة وما فوق، قد تعجب أبناءها ويحبونها أكثر من الفتيتة رغم أنهم تذوّقوها وأحبّوها، خاصة أنها حلوى أو أكلة قديمة لم يعرفوها من قبل، إلّا أن ما باليد حيلة، “الرضى بالموجود سبيل حياتنا وبقائنا في هذا المخيّم”.
تتحمّل النساء عبئاً ثقيلاً في مخيم الركبان، وتحديداً في رمضان، يدهشنك بما يفعلنه، رغم بساطته، لا يتوقفن عن مقاومة الحصار والصحراء والبحث عن حلول لإرضاء أطفالهن، يستعن بما علق في ذاكرتهن لصنع حلوى باتت شبه منقرضة حتى في أرض الفرات.