في #مخيم_الركبان المحاصر على الحدود السورية الأردنية يزرع سكّان مساكب زراعية بأمتار قليلة من الخضار والحشائش وبعض الأشجار المثمرة في محيط منازلهم، أرادوا منها تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي في مقاومتهم للحصار الذي يحرمهم الخضار والمواد الغذائيّة بين الحين والآخر، في مكان صحراوي قاحل يفتقر للمياه إلا من خبرات(أماكن تجمع المياه) يعز وجود المياه فيها في هذه الأشهر من السنة.
يحاول من تحدّثنا معهم بذلك إعادة تدوير الحياة للحصول على ما يقيتهم من هذه الصحراء، ولو بطبق قوامه الخضار لمرتين في الأسبوع أو حتى تزيين المائدة بعرق أخضر، يجتهدون في تطويع التربة الصحراوية بخلطها “بتراب الفيضة” ويضيفون لها الأسمدة الطبيعية لاحقاً، ويتفنّنون في سقايتها بطرق عدّة لإنبات البذور وللحفاظ على المياه التي لا يريدون هدرها ويدارونها ويقتصدون في استخدامها في هذه المكان القاحل.
يقول أبو وليد، وهو أحد سكان المخيّم، إنه وجد في الشباك المعدنية التي تسمّى “الهيسكو” وشوادر الأمم المتّحدة حلّا وفكرة لتجميع المياه، وذلك بعد أن قصّ الشباك بارتفاع 50 سنتيمتر وغرسها في الأرض بعمق 20 سنتيمتر وبشكل منحني وربطها ببعض حتى أصبحت تشبه الحلقة، ثم فرش شادر النايلون في أرضيتها بعد أن جعله طبقات عدة لحفظ المياه وغطى به الدائرة الحديديّة من الخارج مثبّتاً إياه بالتراب والحجارة، صانعاً “بركة” مائية تسقي نباتاته.
رغم قلّة المساكب في الركبان إلا أن أبو وليد يحاول جاهداً أن يحقق اكتفاءً ذاتياً لعائلته، يقول إن “البركة” التي صنعها وفرت عليه شراء خزان ماء بلاستك بسعر 100 دولار، وساهمت في حفاظه على نظام السقاية المسائية الذي يفضله ويراه أفضل للمزروعات من ريهّا في فترات الحر الشديد، إذ غالباً ما تنفذ المياه من صنابير التعبئة القريبة من المخيم بعد الساعة الثالثة ظهرا.
يستقدم أبو وليد من تلك الصنابير المياه المعبّأة بـ “البيدونات” عبر “الطنابر” التي يدفع لأصحابها أجرة النقل، ويشرف بنفسه على إفراغها في “البركة” الصغيرة التي صنعها وسقايتها مساء بالخرطوم أو أواني السقاية. يقول” أنت هنا في الركبان، صحراء ورمال وعواصف غباريّة وشحّ في المياه،كل قطرة محسوبة ويجب أن توضع في مكانها”، إلى جانب ذلك يقوم بتخمير الأسمدة الطبيعية(روث الحيوانات) بتركها معبّأة في أكياس تسبح في المياه، ليوزعها بعد أيام على ما يزرع،الأمر الذي يعكس زيادة في إنتاج المزروعات ويقلل تراص التربة ويعزّز قدرتها على الاحتفاظ بالمياه.
في هذا الصيف أخبرنا الركبانيون أنّهم زرعوا خضارهم الموسميّة من الكوسا والباذنجان والخيار والبندورة والملوخيّة والقتّة (العجّور)، وفي فصل الشتاء تبدأ زراعة السلق والسبانخ والبصل الأخضر والفجل والبقدونس والخس.
تقول أم عبد الله، وهي نازحة تعيش في مخيّم الركبان، إن فرحها بانتشار اللون الأخضر في محيط منزلها ونجاح زراعتها دفعها للاستفادة من العلب الكرتونيّة والبلاستيكيّة و”تنكات” الزيت الفارغة والبراميل المهترئة من أجل زيادة مزروعاتها.
نظام السقاية لدى أم عبد الله يعتمد على مياه الغسيل والتنظيف والجلي المستخدمة في المنزل، لأجل ذلك قامت بصنع سواقي مياه بين النباتات تصل إليها مياه المنزل، كما صنعت تحت كل شجرة بركة صغيرة من التراب بغية إشباعها وعدم هدر كميات إضافيّة.
يمتلك زوج أم عبد الله “طنبراً” في المخيم، لذلك تعتبر محظوظة فهي لا تدفع أجرة نقل المياه، لكنها في الوقت ذاته لا تملك رفاهية هدرها، وبالرغم من جميع الطرق البدائية، إلا أنها تبتكر بين الحين والآخر ما يساعدها في إنجاح زراعتها، تضحك وهي تخبرنا أنها ثقبت “مرطبان” نايلون فارغ من الأسفل وبدأت تسقي النباتات بها تقليداً لمبدأ الري بالتنقيط وعملاً بمقولة “الحاجة أم الاختراع”.