مقذوفون إلى الحصار.. الأردن يواصل ترحيل اللاجئين السوريين إلى مخيم الركبان

من أطراف مخيم الركبان

يواصل الأردن ترحيل لاجئين سوريين دخلوا أراضيه إلى مخيّم #الركبان، وهو المكان الذي كان قبل سنوات بقعة صحراويّة قاحلة بالقرب من الحدود السوريّة الأردنيّة وشكّل وقتها نقطة عبور للعائلات التي أرادت الوصول إلى الأردن، ليحوله الحصار الذي يفرضه النظام السوري إلى مخيم معزول يفتقد لأبسط مقومات الحياة.

يسمى المرحّلون بالمقذوفين وهو المصطلح الدارج على ألسن اللاجئين، ذلك أنهم لا يمتلكون أدنى حق في الدفاع عن أنفسهم أو حتى توكيل محامٍ والطعن بقرار الترحيل، وأحياناً ما يقذفون لأتفه الأسباب، وفق من تحدّثنا إليهم، أو لمجرّد الشك بهم، مع العلم أن المادة 32 من اتفاقية اللاجئين عام 1951 تحرّم “طرد اللاجئ إلا لأسباب تتعلّق بالأمن الوطني والنظام العام”، وإن توافر ذلك لا يجوز لأي دولة ردّه إلى منطقة تهدّد فيها حياته وحريّته، كما يحق له الاعتراض وتقديم بيّنات تثبت براءته، وعلى الدولة المضيفة منحه مهلة معقولة ليلتمس خلالها قبوله بصورة قانونيّة في بلد آخر.

يقول من تحدّثنا معهم إن السلطات الأردنية تخيّرهم بين أمرين أحلاهما مر، إما العودة إلى مناطق النظام أو إلى مخيم الركبان وفي الحالتين يحضر ما يهدد حياتهم، يخبرونا بإيجاز أن الركبان هو شقاء وبؤس وموت بطيء، أما مناطق النظام تقدّم للمقذوفين موتاً سريعاً بالقتل والاعتقال والتعذيب، ومع ذلك فقد اختار قسم من العائدين مغادرة الركبان نظراً لما عاشوه من بؤس وشقاء وحصار في المخيم.

بدأ الأردن قذف العائلات اللاجئة في الثامن عشر من أيار عام 2019، واستمر تدفق المقذوفين إلى الركبان شهريّاً وبشكل متواتر، إذ وصل عدد العائلات المرحّلة نحو 45 عائلة حتى اللحظة.

أحمد ابراهيم شاب ثلاثيني ينحدر من مدينة درعا، لجأ إلى الأردن في بدايات الثورة السورية عام 2011 وكان يقيم في المخيّم الإماراتي مع زوجته وابنتيه، يقول إن الأمن العام الأردني استدعاه للتحقيق بعد أن ذهب لزيارة أحد أقربائه في مجمّع القرية الخامسة في مخيم الأزرق شرقي عمّان من دون إذن من مكتب الأمن داخل مخيّمه.

يروي لشبكة الحصار “في البداية ظننت أنني سأخضع لتحقيق روتيني ثم أعود للمنزل، خاصة أن مجمع القرية الخامسة يقطنه القادمون من مناطق سيطرة داعش في سورية، وأشخاص عليهم قضايا جنائيّة وأمنيّة، لكنّني صعقت حين أخبروني أنهم سيرحّلونني قسراً إلى مخيّم الركبان”.

إزاء ذلك، لم يمتلك أحمد حق الدفاع عن نفسه أو اللجوء للأمم المتّحدة لرد القرار، يخبرنا أنه أجبر على الانصياع للأوامر وعدم الاعتراض، مقابل منحه حق اختياره ترحيله لوحده أو برفقة عائلته إلى مخيم الركبان، إلا أن ما وصله من أنباء الحياة القاسية واليأس من الحصار دفعاه للذهاب وحده إلى الركبان، يقول إنه لا يريد لابنتيه أن تعيشا في مكان يحاصره الجوع والعطش والخوف والمرض من كل جانب.

أبو علي الحمصي كان أحد الذين قررت السلطات الأردنية طردهم من بلادها، لكن ليست هذه المرة لأسباب أمنية أو شبهات تتعلق بالإرهاب، إنما تحت ذرائع وصفها بالتافهة، إذ لا ترقى لأسباب تستوجب ترحيله من مخيم الزعتري في الأردن إلى مخيم الركبان، أسوأ بقاع الأرض للعيش حسب وصفه.

يقول أبو علي إن قرار ترحيله مع عائلته كان صادماً ومجحفاً بحقّه لدرجة أنه لم يصدق ما حدث معه،”بعد أن تشاجرت مع أحد جيراني ثم تصالحنا في اليوم ذاته، استدعاني الأمن العام وحقق معي مدّة يومين، لينتهي التحقيق بقرار ترحيلي مع عائلتي إلى مخيّم الركبان، ومنحي مهلة ثلاثة أيام كي أبيع أغراضي وأجهّز نفسي”.

بحسب من تحدّثنا معهم ينقل من يراد ترحيله إلى منطقة أردنية يجري فيها تجميع السوريين قبل ترحيلهم وتسمى “رويشد” وتبعد قرابة 100 كم عن مخيم الركبان، بعدها يجري نقلهم في سيارات عسكريّة إلى نقطة تقع على الساتر الحدودي الأردني السوري حيث يجري تسليمهم لفصيل محلي سوري يتولّى إيصالهم إلى مخيّم الركبان.

أبو حسين منسق التواصل مع الأمن الأردني والمسؤول عن استلام المقذوفين يقول لشبكة الحصار إنه أحصى هذا العام ترحيل 50 شخص إلى الركبان، توزعوا بين سبع عائلات و أفراد جاؤوا لوحدهم مثل أحمد، مؤكّداً أن نصف المرحّلين دفعهم الحصار وقسوة العيش وغياب أمل تحسّن الظروف المعيشية إلى مغادرة المخيم متّجهين إلى مناطق النظام، في حين أن عمليات الترحيل ما تزال جارية وبالوتيرة والآلية ذاتها وبمعدّل سبعة أشخاص كل شهر في هذا العام.

وعن دوره في استلام المرحّلين يقول أبو حسين إن غالبية الواصلين يجري إسكانهم في البيوت التي فرغت بعد عودة أصحابها إلى مناطق النظام أو عند أقاربهم أو معارفهم، إضافة إلى تأمين الاحتياجات الأساسيّة والضرورية للإقامة والمساعدة الطبيّة لمن يحتاجها، فضلاً عن مساعدة أهل المخيم للمقذوفين في بداية إقامتهم بما يتوفر من طعام ولباس والالتفاف حولهم خاصة أن منهم يأتون ويرون أنفسهم غرباء لعدم وجود أحد من أقاربهم أو أبناء مناطقهم الأصليّة في المخيّم.

يجمع من تحدّثنا معهم على قساوة الرحلة من “رويشد” إلى الركبان، وجوه مغبرّة وأجساد منهكة وأطفال لا يكفّون عن البكاء، بالكاد يستطيعون فتح أعينهم حين يصلون، وفي الركبان لا يرون إلا قسوة العيش في الحصار والصحراء، والبؤس في أعين ساكنيه واليأس الذي ملأ قلوبهم بعد أن تركتهم الدول الكبرى والمنظمات الإنسانية لمصيرهم في هذا المكان المحروم من مقومات الحياة الكريمة.