لا ترحم صحراء #مخيم_الركبان ساكنيها شتاءً ولا صيفاً، إذ يحل الصيف بحرارته المرتفعة كاشفًاً هشاشة الواقع الطبي في المخيم المحاصر الذي يسعف ويعالج في الحد الأدنى من الإمكانات الطبيّة، لتداوى أمراض النازحين بما توفر من أدوية بسيطة في النقاط الطبية والصيدليات التي تفتقد للأدوية النوعية، أما المصابون بلدغات العقارب والأفاعي والحشرات فلا يزيد إسعافهم عن مضادات الحساسية في النقاط الطبية التي ما زالت تفتقد المصول الخاصة، أو بقائهم في منازلهم وعلاج أنفسهم بأساليب بدائيّة.
نقطتان طبيّتان دون أجهزة وأطباء
يحوي مخيم #الركبان بالقرب من المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي نقطتين طبيتين بإمكانات طبيّة بسيطة، نقطة تدمر ونقطة شام، الأطباء هم أبرز الغائبون عن الكادر الطبي في النقطتين اللتين تضمان عدداً قليلاً من الممرضين والقابلات القانونيّة والمتدربين وأجهزة طبيّة بسيطة وقليلة أهمها جهاز إيكو وجهاز إرذاذ وجهاز أوكسجين وعدّة جراحيّة بسيطة.
تقول حسنة المطلق مديرة نقطة تدمر الطبيّة إن حالات التهاب الأمعاء والمعدة والتهاب الكبد تزايدت مع قدوم فصل الصيف واشتداد الحرارة واختلافها ليلاً ونهاراً وشرب النازحين لمياه غير صالحة للشرب بالإضافة إلى انتشار الحشرات(الذباب والبعوض والصراصير) نتيجة رمي القمامة في الشوارع، وتصريف مياه المطابخ والغسيل بشكل سطحي ومكشوف بين المنازل.
أمام الحلول الطبيّة العاجزة ونقص المساعدات الطبيّة تكثر حالات الإسهال والإقياء التي تتوافد يوميّاً إلى نقطة تدمر الطبية بمعدل ثماني حالات يومياً أكثر من نصفها أطفال، يقدّم لهم مضادات الإسهال مثل ercefurel و flagyl، وفي حال عدم وجودها يطلب منهم إحضارها من صيدليّات المخيّم، إذ يبلغ سعر علبة flagyl نحو 5000 ليرة سوريّة، ويعطى السيرومات وخافض الحرارة cetamol للذين أصابهم الجفاف بسبب الإسهال الحاد والإقياء بحسب حسنة المطلق.
يقول أبو نورس، وهو نازح ورب أسرة مكونة من ستة أفراد، إن عائلته اتجهت لغلي الماء في خطوة لتعقيمه ثم تبريده وشربه بعد أن أصاب ابنه الصغير(ثلاث سنوات) الإسهال الحاد والجفاف، بالإضافة إلى شرب مغلي البابونج والزعتر البري وتناول الثوم على الريق، خاصة في ظل انقطاع الأدوية وارتفاع ثمنها إن وجدت.
تسوء الأمور بالنسبة للمرضى المصابين بالتهاب الكبد وخاصّة الأطفال الرضع والأكبر سنّاً نتيجة عدم حصولهم على اللقاح، فضلاً عن غياب الأطباء المختصّين ومراكز الفحوص المخبريّة، ما تقدّمه النقاط حسب قدرتها فيتامينات وحبوب من نوع 52. LIV وعدة نصائح أهمها الراحة والتغذية السليمة بتجنب تناول الدهون والإكثار من السكّريات والسوائل وشرب الماء النظيف وغسل اليدين جيّداً.
من جهته يقول أبو محمد الممرض في نقطة شام الطبيّة إن حالات الإسهال والتهاب الأمعاء والكبد وصلت إلى العشرات خلال الأسابيع الماضية، موضحاً أن منها ما كان بحاجة للدخول إلى مستشفى ومراقبة المريض لأيام وإجراء فحوصات مخبريّة، إلا أن هذا غير متوفر إلا في مناطق النظام وهو ما سيزيد معاناة المرضى، إذ سيخرجون في رحلة العلاج دون عودة ما يشتّت أوصالهم، لذلك يكتفون وهم مجبرين بما توفّر من حلول طبيّة وما بقي من أدوية على أرف الصيدليات بالإضافة إلى الحمية والوقاية.
يقول من تحدّثنا معهم من النازحين لشبكة الركبان إنهم يتبعون الحمية ويستخدمون دبس الرمان والبطاطا المسلوقة للحد من الإسهال، وفي حالات التهاب الكبد يستخدمون البصل والثوم وبعض النباتات بطحنها مع بعضها واستعمال السائل الذي يخرج منها كقطرة عينية وأنفيّة، بالإضافة إلى الالتزام بالحمية وتناول البطاطا المسلوقة أو المشويّة والتمر والمربّيات.
لدغات العقارب تزداد والمصل غير موجود
تنتشر في فصل الصيف العقارب والأفاعي بكثرة في مخيم الركبان نتيجة وجوده في بيئة صحراوية، وكثرة البيوت المهجورة التي غادرها أصحابها إلى مناطق النظام، إضافة إلى أن العواصف الغبارية تنقل العقارب معها لخفّة وزنها لتصل ضيفاً ثقيلاً على الركبانيين ومصدر قلق وخوف يهدد حياتهم باستمرار، فالمصول المضادة غائبة عن المخيّم، ولدغة سامة كافية لموت أحدهم أو تركه المكان من دون رجعة.
لذلك يبذل الركبانيّون ما بوسعهم لاتباع أقصى درجات الحيطة والحذر بتحصين منازلهم بوضع مادة القطران، يخبرنا سكان في المخيّم أن مراقبة زوايا المنزل وسد كل الثغرات وإخراج الأغراض يوميّاً بات الشغل الشاغل لهم في هذه الأيام، بالإضافة إلى وضع مادة القطران في محيط البيت لطرد الزواحف، فالمنزل الواحد يحتاج لثلاث مكعّبات من القطران، سعر المكعب الواحد 2000 ليرة سوريّة، ويستخدمونها بتقسيم المكعب لثلاثة أو أربعة وتوضع في علب أو أكياس مثقوبة في محيط المنزل لتطرد الأفاعي والعقارب لما لها من رائحة منفّرة تمنعها من الاقتراب والدخول للبيت.
ورغم ذلك كله لا تفلح جميع هذه الاحتياطات في منع الإصابات، تقول حسنة المطلق إن نقطة تدمر الطبيّة سجّلت هذا الشهر توافد 20 حالة لمصابين بلدغات العقارب، وأعطيت جميعها حقن مضاد حساسيّة مثل larfine و dexamethasone بالإضافة إلى خافض الحرارة في ظل غياب المصول المضادة والعقاقير اللازمة لهكذا حالات، تضيف” حاولنا مراراً وتكراراً تأمينه عبر الأمم المتّحدة والمنظّمات لكن دون جدوى إلى الآن”.
أمام هذا الواقع اتجه النازحون لاتباع طرق تقليدية لمعالجة اللدغات، تقول أم سعيد، وهي نازحة في المخيّم إنها حاولت إخراج الدم الفاسد من يد ابنها، بعد أن لدغته عقرب صغيرة، بالضغط مكان الإصابة، ثم ربطتها بقطعة قماش رقيقة وثقبت بيضة من أعلاها ووضعتها مكان اللدغة كي تسحب الألم والسم على حدّ قولها.
آخرون حاولوا الحصول على مصل أو اختراعه، وذلك من خلال وضع العقرب أو أكثر في علبة صغيرة وكميّة من الزيت ثم إغلاق العلبة، بعدئذٍ سيموت العقرب بعد أن يفرغ سمّه في الزيت الذي سيستخدم مصلاً يدهن به مكان الإصابة كما أخبرونا.
رغم مناشدات الركبانيين ومسؤولي النقاط الطبيّة، لا يبدو تحسين الواقع الطبي في المخيّم أمراً سهل المنال في المستقبل القريب، لذلك يبحث النازحون عما في ذاكرتهم وفي موروث أجدادهم بالإضافة لأشياء يبتكروها لتكون حلولاً ناجعة تنهي آلام أمراضهم أو تسكنها لبعض الوقت، ويتحوّل الممرضون والقابلات لأطباء يجتهدون بما توفر بين أيديهم في إنقاذ آلاف النازحين الذين تركوا لمصيرهم وآلامهم في هذه الصحراء.