في مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية، وفي بقعة صحراوية تتسم بارتفاع حرارتها صيفاً وتتخطى 40 مئويّة تحاول أم علي، النازحة في #الركبان، تبريد مياه الشرب باستعمال ما توفر لديها من أقمشة في وقت يعزّ على سكان المخيّم حصولهم على المياه، وتغيب الثلاجات التي تؤمن المياه الباردة وتحفظ الأطعمة عن أغلب منازلهم لعدم توفر الكهرباء.
تجلب أم علي ما يتوفر في منزلها من ألبسة وأقمشة مهترئة وأكياس خيش، وتعيد خياطتها حول العبوات (قارورة ماء، علبة زيت ذرة، بيدونات صغيرة) التي تملؤها بالمياه، ثم تبدأ برش مياه عليها وتضعها في ظل أحد جدران منزلها في الخارج كي تتعرض للهواء، على أن تقوم بترطيبها بالمياه بشكل مستمر.
تقول أم علي إنها لم تجد حلاً سوى إحياء هذه الطريقة التي استوحتها من زمن الجدّات، حينها لم يكن هناك برادات وثلّاجات وكانت المياه توضع في أوانٍ فخاريّة للحصول على البرودة، وهذا ما تبتغيه اليوم إلا أنها تخبرنا أن ذلك لا يقارن بالماء المتجمد والذي يصعب عليها شراؤه لارتفاع ثمنه، إذ تباع القارورة سعة ليتر ونصف الليتر بـ1500 ليرة سوريّة.
إلى جانب ذلك لجأت سيدات في المخيّم لوضع الأدوية في المياه للحفاظ على فعاليتها، خاصة بعد أن انخفضت كميات الأدوية في الصيدليات وارتفعت أسعارها وانعدم وجود أصناف كثيرة منها، تقول أم بشار إحدى سيدات المخيّم، وهي تضع شرائح من تحاميل الأطفال وعلبة دواء(شراب سائل) في وعاء المياه:”في الحصار عليك أن تحافظ على كل ما تملكه وتداريه كالزيت كي تستمرّ بالحياة، عليك دائماً أن تفكر في حل وأن لاتركن للعجز”.
تروي أم بشار أن منزلها يتحول إلى ما يشبه الفرن في هذه الأوقات من السنة، في إشارة لشدة الحر في ساعات النهار، فالسقف مبنيّ من من الشوادر والبطانيات ولا يردّ حرارة الشمس المرتفعة، لذلك لجأت لصنع “شمسيات” قوامها الخشب وسقفها شادر للجلوس تحتها والاستفادة من ظلها ومن الهواء الذي يمنعه الجدران.
تخبرنا أن عدداً من النازحين صنعوا “الشمسيات” بجانب منازلهم ومساكبهم الزراعية، علّهم يحصلون على ظل ونسمة هواء خارج منازلهم التي لا تردّ أسقفها حرارة الشمس العالية، فضلاً عن أن المروحة، وإن وجدت، تعطي هواءً ساخناً وتستهلك الكهرباء التي يمنحها لوح الطاقة الشمسيّة.
نوع آخر من الشمسيات استعمله أصحاب “الطنابر” لحماية رؤوسهم أثناء رحلاتهم اليوميّة في نقل المياه من مراكز تجمّعها حيث الصنابير إلى المخيّم، يقول أبو كاسم، وهو صاحب “طنبر”، إن صنع شمسيّة من الشادر والبطانيات، وجعلها بسماكة زائدة ليحمي نفسه من ضربات الشمس، إذ يقضي ساعات في عمله تحت أشعة الشمس اللاهبة.
ولحفظ الطعام قصّة أخرى في صحراء الركبان، حيث يسعى سكان هذا المكان لجعله قابلاً للعيش بالحد الأدنى من مقومات الحياة ومما يستطيعون ويمتلكون، تقول سميحة، من سكان المخيّم، إنها تضع ما تبقى من طعام في وعاء، وتغطيه بمصفاة لتدخل الهواء إليه كي لا يفسد ولتضمن عدم وقوع الحشرات داخله، كما تثقل الغطاء بواسطة عبوة مياه مليئة أو بحجر نظيف كي لا يصبح الطعام من نصيب القطط أو أي جرذ يتسلل للمنزل، ثم تقوم بوضع وعاء الطعام في صينية ملأت نصفها بالماء.
تخبرنا سميحة أن ما تفعله ليس الطريقة المثالية لحفظ طعامهم، إذ لا يثمر ذلك عن حفظ الطبخات لأكثر من ساعات قليلة، ومع ذلك تقول”ماذا نفعل، ما باليد حيلة، فالبرادات تحتاج إلى الكهرباء، وللحصول على كليهما يلزم دفع الكثير من المال وهذا خارج نطاق استطاعتنا”.
تتكرر كلمة “مأساة” على ألسن ساكني مخيم الركبان في وصفهم لواقعهم الذي يعيشونه، يتحايلون في التغلب على مأساتهم أو التكيّف معها بطرق بدائية عادت بعد أن كانت جزء من حكايات الجدات ومن سبقهن في أجيال ماضية، لتبقى أقصى أحلامهم، الآن، الحصول على بيت إسمنتي فيه كهرباء وبرّاد.