يقع مخيم الركبان المحاصر في مكان ناءٍ عند المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، وقبل سنوات كان معبراً لآلاف النازحين الذين أتوا من مناطق حمص وريفها وتدمر وبلدات في البادية السورية قاصدين الأراضي الأردنيّة، إلى أن حوصر المكان، وتحوّلت الخيام إلى مساكن أقامها السكان الجدد بعد أن رأوا أن إقامتهم ستطول، لذا بذلوا كل ما في وسعهم لتطويع الصحراء وجعلها مكاناً قابلاً للعيش، أتتهم المياه من الأردن وبكميات قليلة إلى الآن، والوقود الغذاء والدواء عبر طرق التهريب من مناطق النظام وبدأوا بالبحث عن حلول لإيجاد الكهرباء.
“ليست الكهرباء فقط، كل ما هو في هذا المخيم أنشأناه وأتينا به بعد أن أحسسنا أن مقامنا هنا سيطول”، يروي أبو أحمد، أحد نازحي المخيّم، وهو يشير بيده إلى بيوت المخيّم الممتدّة على أزيد من 10 كيلو مترات، يقول إن النازحين اعتمدوا أثناء فترة انتظارهم للعبور إلى الأردن على مصابيح تعمل بالطاقة الشمسيّة، وكانت الأمم المتّحدة توزع مصباحاً واحداً لكل عائلة، وكان يحوي زرّين: الأول ضوء خافت يدوم لثماني ساعات والثاني ساطع يدوم لأربع ساعات.
بالإضافة إلى الاعتماد على ضوء الليدات التي تعمل على البطاريات الصغيرة بقوة 12 فولت، يقول”في الخارج إما عليك أن تأخذ مصباح الأمم المتّحدة أو تحمل بيدك قداحة بضوء، وهذه امتلكها غالب سكان المخيم حتى من غير المدخّنين بدافع الحاجة، ورغم ضعف ضوئها إلا أنها كانت نوراً وسط الظلام”.
مع انقطاع الأمل بالعبور إلى الأردن بعد التفجير الذي وقع على الحدود السورية الأردنيّة منتصف 2016، واتجاه الأردن لإغلاق حدودها بشكل كامل، تحولت الخيام من مؤقتة إلى دائمة، وراح الركبانيون يصنعون الطوب لبناء بيوتهم في مقامهم الجديد، وتكونت أحياء المخيم واستمدّت اسماؤها من المناطق الأصلية للنازحين، يقول أبو أحمد، إنه سمع هدير أول مولدة ديزل جلبها صاحب مطعم الديري في المخيم في منتصف 2016، “كان ذلك إعلاناً لبداية دخول الكهرباء إلى المخيّم”.
وأسوة بالمطعم الديري اتجهت محلات السوق لشراء مولدات الديزل والمازوت الذي يشغلها من مناطق الرقة ودير الزور، يقول أبو عدي وهو صاحب أحد المحلّات، إن مولدات كانت تعطي كهرباء لمحلين أو ثلاث كحد أقصى، أخرى من نوع “بيتر” بحجم أكبر استفاد أصحابها منها بإيصالهم الكهرباء إلى المنازل المجاورة للسوق وفق نظام الأمبيرات لـ12 منزل كحد أقصى، وبتغذية عشر ساعات يوميّاً، ست في النهار وأربع في الليل مقابل المال.
بعد ذلك استقدم تجار مولدات ديزل كبيرة الحجم، وصل عددها إلى 12 مولّداً، تغذي حتى 50 منزلاً وفق نظام الأمبيرات، وكان أصحابها يتقاضون 3500 ليرة سورية، أي ما يعادل سبعة دولارات أسبوعيّاً، بمعدل تغذية خمس ساعات يوميّاً في المساء تبدأ من السادسة حتى 11 ليلاً.
يقول “أبو عدي” إن المولّدات غطت قرابة 60% من بيوت المخيّم، معظمها في الأحياء ذات الكثافة السكانية، أما البيوت البعيدة والتي يعمل غالبية أصحابها في رعي الماشية فهذه حرمت من الكهرباء، لأن التيار سيتلاشى ويصل ضعيفاً عبر الأكبال، إذ إن منها ما فاق بعده 500 متر عن المولّد.
“هناك منازل غذيت بنصف أمبير، للضوء فقط ولشحن الهاتف وبطارية الليدّات، فالرمد أفضل من العمى” يقول أبو أحمد في إشارته لارتفاع تكلفة كهرباء الأمبيرات، مقابل ضعف قدرات السكان الماليّة، إذ لم تستطع فئة كبيرة استعمال البراد والغسالة – إن وجدا – خلال ساعات التغذية القليلة، يخبرنا أن الضوء والغسالة يحتاجان في أقل تقدير لأمبيرين، أي قرابة 50 دولار شهريّاً، أما البراد الذي غاب وجوده واستعماله عن بيوت كثيرة فيحتاج لأمبيرين ونصف في أقل تقدير.
رغم ذلك، لم تستمر المولدات بعد منتصف 2017، “خفتت أصواتها إلى أن انعدمت بشبه كامل، أكلها الصدأ” يقول أبو أحمد ويرجع ذلك إلى تضاعف أسعار المازوت بعد لأن أغلقت الطرق التي يأتي منها بفعل سيطرة النظام على الحدود السوريّة العراقيّة، يذكر أبو أحمد أن المازوت الذي صار يأتي عبر طرق التهريب من مناطق سيطرة النظام قد ارتفع سعره من 25 ألف ليرة إلى 60 ألف للبرميل خلال أسبوع واحد، ووصل إلى 120 مع بداية عام 2018.
ما كان متاحاً وقتها وبديلاً للكهرباء التي لم ينعم بها أهالي المخيم الصحراوي بأكثر من خمس ساعات، هو ألواح الطاقة الشمسيّة، التي جلبها في البداية تجار من أبناء مدينة القريتين من مناطق النظام بواسطة مهرّبين، وبقيت المولدات الصغيرة تستخدم في عدد من محلّات السوق فقط، وشيئاً فشيئاً انتشر بيع الألواح في أكثر من مكان داخل المخيّم، فضلاً عن أنها خلقت فرص عمل للحداد وفنيي الصيانة بحسب أبو أحمد.
يقول أبو كاسم، يعمل في تركيب ألواح الطاقة في المخيّم، إن وجود الألواح بات أساسياً في كل منزل بصفتها البديل الوحيد لغياب الكهرباء، “بعد 2018 اقتصر الأمر في أغلب المنازل على لوح أو لوحين وبطارية يتم شحنها بالتيار المستمر الذي يأتي من الألواح، ويستفاد منها ليلاً بالضوء فقط، لكن دخول روافع الجهد إلى المخيم حسّنت كثيراًمن وضع الكهرباء للقادرين على شرائه، إذ يحول كهرباء المدّخرة إلى كهرباء مستمرّة”.
يتواجد اليوم قياسات متعددة لألواح الطاقة، تبدأ من 100 واط وهذه تباع بسعر 70 دولار، وهناك ألواح بقياس 310 واط بسعر 220 دولار، والقياس الأكبر يأتي ب450 واط ويباع بسعر 300 دولار.
أما المدّخرات من قياس 100 أمبير تباع بسعر 100 دولار، وقياس 220 أمبير تباع بسعر يتراوح بين 300 إلى 400 دولار بحسب جودتها، كما يتواجد عدة أصناف لرافع الجهد من قياس 12 فولت، وهذا يتراوح أسعاره بين 40 إلى 100 دولار، وقياس 24 فولت يصل سعره إلى 220 دولار، وغالباً ما يستعمل للبرادات والثلاجات والأدوات الكهربائية التي تحتاج طاقة عالية.
تنتشر ألواح الطاقة الشمسية اليوم في معظم منازل الركبانيين بلوح ولوحين، يخبرنا من تحدّثنا معهم أن استفادة السواد الأعظم منها لم تتعد الإنارة، فالتكلفة المرتفعة تقف عائقاً أمام كثيرين لزيادة عدد الألواح، حتى إن منهم لم يتمكّنوا إلى الآن من اقتناء رافع جهد لارتفاع ثمنه وتفشي الفقر بين أوساطهم، يحرمهم ذلك شربة ماء باردة في هذا الصيف اللاهب، أو الجلوس في الشتاء بقرب مدفأة كهربائيّة يحتاج تشغيلها لمئات الدولارات.