“يقين” طفلة محاصرة في مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنيّة، ولدت بفتحة في سقف الحلق وقصر في اللسان، وتركت لمصيرها دون أي تدخل لإنقاذها حتى الآن، إذ لم تفلح المناشدات والتقارير في حمل جسدها الصغير إلى إحدى الدول المجاورة وإجراء عمل جراحي يرمم الفتحة في سقف حلقها ويجعلها مثل باقي الأطفال، ترضع وتأكل وتشعر بالشبع.
رافق المرض يقين منذ ولدت، عاشت أيامها الأولى على الماء والسكر، وأجريت عملية تحرير يدوية للسانها من قبل أطباء النقطة الطبية في قاعدة التنف، ثم وضعت على جهاز التنفس الاصطناعي في مستوصف شام الطبي بسبب تزرق جسمها الذي تعاني منه إلى الآن، وسط فقر المستوصف للإمكانات الطبية التي تحتاجها يقين، فالركبان لا يحوي طبيب أطفال أو اختصاصي أذن أنف حنجرة، وبالتالي إجراء تدخل جراحي ضرب من المستحيل.
قرابة مئتي يوم عاشتها يقين في حالة بكاء شبه دائم، تخبرنا جدتها القابلة القانونيّة حسنة المطلق والمسؤولة عن حالتها الصحية أن سبب ذلك هو عدم شعورها بالشبع، مؤكدة أن وزنها تناقص منذ ولدت من ثلاثة كغ إلى 2300 غرام، وتوقّفت عند هذا الوزن منذ خمسة أشهر، علماً أن المعدل الطبيعي لوزن الأطفال الذين في عمرها يترواح بين 7 إلى 8 كغ، إذ من المفترض أن يكتسب الرضيع شهرياً بين 500 غرام إلى 650 غرام بحسب القابلة حسنة.
تقول المطلق “ترضع يقين مرات كثيرة وبكميات قليلة، ومؤخراً حاولنا إطعامها “السيريلاك” (مسحوق من حبوب القمح يخفّف غالباً بالماء ويعطى كمتمم غذائي للأطفال) أملاً في زيادة وزنها، إلا أنها لم تستطع تناول أكثر من من ثلاث ملاعق يوميّاً، وهي كمية لا تسمن ولا تغني من جوع، رغم أننا زدنا كمية الماء داخله ليصبح سائلاً يسهل تناوله مثل الحليب”.
تحتاج يقين للأوكسجين بشكل متقطع نتيجة نقص الأكسجة في جسمها وتغير لونه إلى الازرقاق، حصلت عائلتها على أنبوبة من أحد المتبرعين، تخبرنا جدتها أنها وأمها في حال مراقبة دائمة لحالة يقين، وتحاولان بشتّى الوسائل منع أبسط الروائح التي تسبب تفاقم سعالها وضيق التنفس من الوصول إليها، وخاصة في الأوقات التي تشهد هبوب عواصف غبارية على المخيّم.
يخرج الحليب و”السيريلاك” من أنف الطفلة أثناء الرضاعة وبعدها، وهو ما يفسر عدم نموها وزيادة وزنها، بمعنى أنها تختنق وهي ترضع، تتساءل جدتها وذووها، “أليس من حق هذه الطفلة الحياة، أليست من لحم ودم،أين الإنسانية ورافعوا شعاراتها؟، في وقت يصعب على ذويها نقلها إلى مناطق النظام للتداوي، فهي رحلة علاج من غير رجعة، وإن وجد طريق عبر ممرات التهريب فثمنه لا يقل عن آلاف الدولارات التي لا يملكها أهلها. أمام ذلك لا يجدون سوى إطلاق مزيد من المناشدات للدول المجاورة وللأمم المتحدة والمنظمات أملاً في إنسانية قد تنقذ طفلتهم التي تركت بين أيديهم تتألم وتذوي منذ مئتي يوم.