الطائر الحر في مخيم الركبان.. هواية وتجارة رائجة

طائر حر تم اصطياده في مخيم الركبان

لصيد الطائر الحر في البادية السورية وقت وطقوس ومزادات تبدأ في أيلول من كل عام وتستمر لنحو ثلاثة أشهر يسعى فيها الصيادون، يطلق عليهم اسم “القانوص”، في رحلات يومية للبحث عن طريدتهم عسى أن يحالفهم الحظ بأحد الطيور التي تباع بأسعار تصل أحياناً إلى ما يزيد عن مئة مليون ليرة سورية للراغبين في اقتنائها.

والطائر الحر أحد أكبر أنواع الطيور في فصيلة الصقريات، يتراوح طوله بين 47 إلى 57 سنتيمتراً، ويقترب طوله جناحيه عند فردهما من متر واحد، أما الإناث فهي أكبر حجماً، وله أنواع عديدة سنتحدث عنها خلال التقرير.

تحديد نوع الطير الحر وفق مقاسه

صيده هواية وتجارة، وفي مخيم الركبان على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، وضمن منطقة الـ 55 الصحراوية، تكثر رحلات صيد الطائر الحر في موسم الهجرة، ويزيد عدد الصيادين الباحثين عن المتعة والربح في كل عام، إذ لا تخضع الطيور في السماء للحصار المطبق على سكان المخيم على الأرض.

خلال الأيام الماضية حالف الحظ صيادين في مخيم الركبان باصطياد أحد أنواع الطيور الحرة، لم تكن من الطيور النادرة، إذ بيع “الشاهين” بنحو خمسة آلاف دولار، بينما بيعت “الكوسية” بضعف هذا المبلغ.

مزاد لبيع الطائر الحر في مخيم الركبان

منطقة الحماد السوري أو البادية السورية، كما يطلق عليها، تنقسم إلى قسمين (الشرقي والجنوبي)، يقول ناصر أبو محمد، صياد في مخيم الركبان، إن صيد الصقور تنتشر في البادية، لكن الحصار المفروض على المخيم ضيق المساحة المفتوحة أمام الصيادين، فهناك حدود لا يمكن اجتيازها أو المرور بالقرب منها.

تقتصر حركة الصيادين في المخيم على منطقة الـ 55، ولا يمكن لأي أحد الخروج بعيداً عنها ولو لمتر واحد، يعود ذلك للألغام المزروعة خارج المنطقة ولوجود نقاط عسكرية لقوات النظام وميليشيات تابعة فيها ما يعرض الصيادين لخطر القنص والإصابة، كذلك الطيران الذي يستهدف الخارجين من المكان.

قانوص يمسك طائر حر

هواية أبو أحمد، قانوص في الركبان، الصيد بأنواعه كافة، يقول إن عدد الصيادين تضاعف مرات كثيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، منهم من يصطاد العصافير وآخرين يبحثون عن الصقور، ويرجع سبب الزيادة كونها أصحبت تجارة رابحة من جهة، ولتأمين لقمة العيش في اصطياد العصافير داخل مخيم لا تتوفر فيه فرصة عمل أخرى.

يخبرنا أبو أحمد أن ضيق المساحة المحاصرة تزيد من متاعب صيد الصقور، المشكلة الأكبر تكمن في تجاوز الطائر العالق في الشبكة منطقة الـ 55، وهنا يتخلى صيادون كثر عن صيدهم خوفاً على حياتهم.

يشترك في صيد الصقور أشخاص عدة، صيادون مهرة يمتلكون معرفة بطرق صيد الصقور وأنواعها وأماكن وجودها، وممولون مستثمرون يؤمنون الدعم للازم للصيادين وتكلفة المعدات واللوازم والمحروقات والطعام، وفق نسبة متعارف عليها بـ 40٪ للمول و 60٪ للصيادين الذين يوزعون ثمن ما يصطادونه على الفريق المرافق لهم.

رحلة لصيد طائر حر

يشرح أبو محمد، أحد القوانيص في مخيم الركبان، رحلة الصيد والطرق المتبعة فيها، يقول: يجهز القانوص عدة الصيد وهي “الشبكة، الريش، الطابات، الخيطان، الحمام، اللمام، القطا، الأقفاص التي يحتاجها لكل نوع من الطيور”.

ويضيف أبو محمد “للشبك عدة مقاسات، منها شبكة للحمام والفري والقطا والجربوع والعصفور، وشبكة نقلية للباشق إضافة للشبكة الأرضية”، كذلك يحمل الصيادون معهم في رحلتهم “القبوسة والخيمة أو الصيوان المجهز بالفرش الكامل، وخيمة صغيرة تسمى المطبخ تحتوي عدة المطبخ والمونة التي تكون مع كل قانوص، وبراميل للمياه”.

قبل رحلة الصيد تجهز السيارة وتفحص تفادياً لأي عطل، وتزود بإطارات جديدة وأخرى احتياطية، يقول أبو محمد “يجب أن تكون جميع هذه الأشياء مجهزة بشكل كامل، كيلا تضيع اللحظة الحاسمة التي ينتظرها القانوص ويحلم بها”.

طائر حر تم اصطياده في صحراء الركبان

يختار الصيادون أماكن قريبة من المياه والنباتات، ويعيش فيها حيوانات برية، تمر من المكان الطيور المهاجرة مثل الصقور والقطا والفري والكرك والحباري والعصافير وغيرها من الطيور، وغالباً ما يتجمع الصيادون في مناطق قريبة من بعضهم البعض لتمضية الوقت بعد رحلة الصيد اليومية.

يبدأ الصيد قبل بزوغ الشمس ويتنقل الصيادون من منطقة إلى أخرى للبحث عن الصقور، وأهمها في البادية السورية “الطير والكوسية والشاهين والجرناس والتبع”.

يجهز الصيادون الباشق ويسمونه “النقل” بأغلاق عيونه بالخيطان أو اللاصق لمنعه من الرؤية، ووضع شبكة في أرجله وتمويهها بريش مجهز، وإطلاقه وعند رؤية الصقور له تنقض على ما تظنه فريسة معلقة في رجليه ليعلق بالشبكة المخصصة.

قانوص يعرض طائر حر للبيع

يميز الصيادون أنواع الصقور من ألوانها وسرعة حركة أجنحتها وطول الأرجل وشكل العين، إذ يتميز الطائر الحر بأجنحته الطويلة وسرعة انقضاضه على الفريسة، وتختلف مهارة الصيادين بمعرفة الأنواع التي تطير في السماء والقدرة على صيدها.

لكل قانوص مرافق يسمى الصقار، مهمته مراقبة السماء بدقة وإخبار القانوص بما يشاهده، فإن تم التأكيد على وجود طائر حر على سبيل المثال يرمي القانوص له بحمامة مجهزة بشبكة، فإن لم يعطيها أهمية، يرمي له بأخرى قبل أن يدفع له بطائر القطا الذي تفضله الطيور الحرة ولا تتركها حتى أن لم تكن جائعة.

التقنية والاحتراف هي ما يجب اتباعه عند هذه اللحظة الحاسمة، فأياً كان نوع الطائر الحر لا يجب الاقتراب منه حين وقوعه في المصيدة إلا بعد التأكد من أنه عالق داخل الشبكة، ويجب الاقتراب منه بشكل دائري، إن لم يتم التأكد من ذلك يمنحه القانوص “صيدة أخرى” ليراها ويتحرك باتجاهها، فإن كان عالقاً سيسحب معه “الصيدة السابقة” وهنا يجب الإسراع وإمساكه بشكل جيد كيلا يتأذى ريشه وجناحيه.

تباع الصقور، بحسب أنواعها، إلى أشخاص خارج المخيم، عبر مكاتب مختصة أو وفق مزادات على واتس اب، أما العصافير فتباع إلى تجار في مناطق النظام السوري، يوصلونها بدورهم إلى لبنان، لتباع إلى المطاعم وشركات تستخدمها في صناعة أدوات التجميل.

ولكل نوع سعر يحددّه تنافس التجار فيما بينهم، وغالباً ما يفوز التجار القادرين على الدفع بشكل مباشر، إذ لا توجد قوانين تحكم عملية الصيد أو البيع الشراء.

يقول أبو حسين، تاجر صقور وقانوص من أهالي مدينة القريتين في مخيم الركبان، “هناك طلب ورغبة على الطائر الحر الذي يمر من البادية السورية، خاصة ما يسمى (طير التنف)، لما له من ميزات أهمها القوة وتحمل الطيران إلى مسافات بعيدة والقدرة على الصيد بشكل أسرع، وهو ما يجعلها من أفضل الصقور سعراً”.

ويضيف أبو حسين أن أفضل الصقور سعراً هو “الوافي”، ووجوده نادر يرغب بشرائه أمراء من دول الخليج العربي ويدفعون لأجل الحصول عليه مبالغ كبيرة، تختلف حسب مقاس الطائر، كذلك “الكوسية” فهي مرغوبة لدى التجار، وأقلها سعراً “الشاهين”.

ويتراوح سعر الصقور (الطائر الحر) بين 25 مليون ليرة إلى 100 مليون ليرة سورية، ويصل سعر بعض الأنواع إلى أضعاف هذا المبلغ، وفق قانون العرض والطلب.

الطيور الحرة غالباً ما تصل إلى مكاتب في الخليج العربي، وتباع للشيوخ والأمراء، وفي العام الحالي أقيمت لهذه التجارة مزادات عبر واتس آب، إذ ترسل مواصفات الطائر عبر مندوبين في المخيم للمكاتب المهتمة مع صورة للطائر، ويبدأ المزاد عليه ليصل إلى السعر النهائي المطلوب، ثم تنقل عبر طرق التهريب إلى لبنان عبر مناطق النظام قبل أن تنقل إلى مشتريها في دول الخليج العربي.