مدافئ وبواري من حديد الخردة.. صناعة الدفء في مخيم الركبان

مدفأة مصنّعة يدوياً في ورشة حدادة داخل مخيّم الركبان

يضع أبو ياسين، وهو نازح في مخيم الركبان وصاحب ورشة حدادة صغيرة، لمساته الأخيرة على مدفأة حطب صنعها بيديه، ينهي “تلحيمها” ويوقد ناراً داخلها ثم يضرب بمطرقته عدة ضربات على أطرافها كي يضمن عدم تسرّب الدخان منها.


يركن أبو ياسين المدافئ التي يصنعها في مكان مخصص للعرض بجانب ورشته كي يراها الزبائن، يعود إلى عدّته الموضوعة على طاولته الحديدية ويبدأ بصنع البواري( الأنابيب) الخاصة بكل مدفأة.


يصنع الحدّادون في مخيم الركبان في ورشهم الصغيرة والبدائيّة مدافئ الحطب والبواري بشكل يدوي، ما يؤمن لهم مصدر رزق في هذه الأيام من السنة. يعتمدون على صاج وحديد الخردة في صنع المدفأة، ويستعملون البراميل الحديدية في صنع البواري.


مدافئ بأحجام وأشكال مختلفة، منها ما هو بسقف هرمي وغيرها بسقف مسطح وأخرى بشكل يشبه القوس، تغيب عنها أناقة التصميم، رغم الجهود المبذولة، والدهان الحراري واسم الشركة أو الورشة المصنّعة كحال المدافئ الجديدة. يندفع نازحو المخيم لشرائها نظراً لانخفاض ثمنها وسماكة حديدها مقارنة بالتي تأتي من مناطق النظام وتباع في السوق بحسب أبو ياسين.

مدفأة مصنّعة في ورشة الحدّاد أبو ياسين


يقول أبو ياسين إن سعر المدفأة الصغيرة يتراوح بين 75 و 100 ألف ليرة سورية، أما الكبيرة يصل سعرها إلى 200 ألف، ويزداد السعر كلّما زادت سماكة الحديد ونوعيّته(مستعمل أو جديد).


نادراً ما يصنع أبو ياسين مدافئ وبواري بحديد جديد، يقول “غالبية عملنا يعتمد على حديد الخردة، أما الجديد يأتي من مناطق النظام عبر طرق التهريب وبأسعار مرتفعة جداً، لذلك يعجز غالبية سكان المخيم عن شراء وتفصيل مدافئ جديدة بسبب تفشي الفقر في المخيم”.


حصل أبو محمد، نازح في الركبان، على خمسة بواري مصنّعة يدوياً من برميل حديدي مستعمل أحضره إلى إحدى الورش، ودفع عشرة آلاف ليرة سورة أجرة تصنيع كل بوري.
يصف أبو محمد هذه البواري بـ “المتينة”، باعتبارها أكثر سماكة ومقاومة للحرارة من البواري المصنّعة في المعامل.
يقول أبو محمد إن “طول إقامتنا هنا والحصار المفروض علينا أجبرنا على التأقلم مع كل شي والاستفادة من كل ما هو موجود حولنا، لم يخطر في بالي يوماً أنني سأستعمل بواري مصنوعة من برميل”.


بواسطة أنبوب معدني و”ملزمة” مثبتة على طاولة حديدية، يلفّ الحداد أبو ياسين قطع البرميل الحديدي الذي قصه لخمسة أجزاء متساوية، ثم يبدأ بتلحيمه من بدايته حتى نهايته، صانعاً بواري المدفأة.

صنع البواري من البراميل المستعملة


ينهمك أبو ياسين في “تلحيم” البواري، يقول إن ماكينته غير مخصصة لتلحيم سماكات أقل من ملليمتر واحد، ما يكلّفه وقتاً وجهداً زائداً، فيما تغيب عن ورشته أي آلات للفّ وثني الحديد، إذ يستعمل يديه وعدّته البسيطة.


يقول “نحاول قدر الإمكان أن نصنع بواري بشكل مقبول، الناس هنا لم يعد يهمها شكل البوري ولونه وطلاؤه الحراري، ما يهمهم هو شراؤه بتكلفة مختصرة ومتانته ومقاومته للاهتراء”.


تعدّ مدفأة الحطب وسيلة التدفئة الأساسية في المخيم، ويندر وجود مدافئ مازوت بعد أن وصل سعر الليتر لـ 11 ألف ليرة سورية، وتغيب وسائل تدفئة بديلة عن المخيم مثل المدافئ التي تعمل على البيرين أو الفحم الحجري.


يشتري نازحو المخيم الحطب الذي يأتي من مناطق النظام ويباع الكيلو الواحد بألف ليرة سورية، في ظل غياب أي دعم من المنظمات الأممية، وهناك محاولات محدودة من منظمات إنسانية لتزويد عائلات المخيم بكميات منه، ومؤخراً وزّعت منظمة غراس الخير الإنسانية “حصص حطب” لنحو 900 عائلة في المخيم، تزن الواحدة منها 125 كغ.