نبتة البابونج دواء طبيعي لا يخضع لشروط الحصار في مخيم الركبان

تحضير منقوع نبتة البابونج

ينتظر سكان في مخيم الركبان بداية فصل الربيع لقطاف نبتة البابونج التي تستخدم كعلاج لحالات مرضية كثيرة في المنطقة بعد أن عزّ الحصول على الدواء في المنطقة المحاصرة.

ويزيد الاعتماد على نبتة البابونج في المخيم ويتعدّى استخدامها في علاج نزلات البرد والسعال إلى معالجة الحروق والأمراض الجلدية وهشاشة العظام والالتهابات النسائية، إضافة إلى استخدامها كمستحضرات تجميل وتنقية للبشرة.

ندرة الدواء وارتفاع أسعاره في الركبان جعل للبابونج أو (نبات الفضيلة) كما يسميه أخصائيو الأعشاب على قائمة المواد الأكثر حضوراً في حياة سكان المخيم، وبات البابونج بأزهاره الصفراء وبتلاته البيضاء مشروب السهرات الشتوية وبديلاً عن علب الدواء.

تحضّر أم سعيد، سيدة تعيش في مخيم الركبان، البابونج بشكل يومي لعائلتها، تضيفه إلى وعاء من الماء المغلي يأخذ مكانه الدائم على المدفأة لتبقي على بخار البابونج ورائحته العطرية في منزلها، تقول إن “استنشاق بخار نبتة البابونج يسهل عملية التنفس للمصابين بنزلات البرد والانفلونزا والسعال المتكرر”، وهو ما دفعها لإبقائه على نار المدفأة طيلة فصل الشتاء.

تأخذ أم سعيد القليل من المنقوع المركون فوق المدفأة، تبرّده وتصفيه جيداً قبل استخدامه كقطرة للأنف أو مرهم للعيون، دون أن تنسى استخدامه كمشروب تمنحه لأطفالها يومياً قبل النوم ليخفف من حدة الأمراض التنفسية ويساعدهم على الاسترخاء والنوم.

بعيداً عن الدور المعروف لنبتة البابونج في علاج الأمراض التنفسية، لم يكن أبو أحمد، أحد المهجرين إلى مخيم الركبان وهو أب لأربعة أطفال، يدرك أهمية هذه العشبة في شفاء أمراض أخرى قبل تعرض أحد أطفاله لحروق في أنحاء متفرقة من جسده.

يقول أبو أحمد “أصيب طفلي بحروق في جسده بعد سقوطه في وعاء من الماء الساخن، بعد أن أسعفته إلى المستوصف وقدّموا له الإسعافات الأولية كتبوا لي وصفة تحتوي على عدد من المراهم لم أجدها في صيدليات المخيم، لكن جدّته اقترحت عليّ استخدام البابونج وكانت المرة الأولى التي أسمع بذلك”.

لم يكن هناك خيارات كثيرة متاحة لذلك بدأت باستخدام وصفة الجدّة، يضيف أبو أحمد، ماء البابونج بعد غليه كنت أستخدمه كمعقم إضافة لشرب كميات من البابونج ما ساعد على شفائه، ومنذ ذلك الوقت ونحن نستخدم منقوع البابونج لعلاج المشكلات الجلدية أيضاً، كمعقم للتسلخات الجلدية والاحمرار.

إضافة لاستخدامه كمطهر للحروق والجروح، تقول القابلة القانونية حسنة المطلق، في مخيم الركبان، إنها تشدّد في وصفاتها على استخدام البابونج كمغطس وحمام ماء لمعالجة الأمراض النسائية لما له من فعالية في معالجة الالتهابات النسائية.

وتضيف القابلة حسنة: أطلب من المريضات في المخيم باستمرار استخدام البابونج الى جانب الأدوية إن توفرت هنا، من أجل معالجة الالتهابات الداخلية والأمراض النسائية، كما أنه يخفف من تشنجات الرحم عند المرأة ومن آلام الحيض عند الولادة، كما أنصح به لمرضى الجهاز البولي وأطلب منهم الاستمرار بشربه واستخدامه كمعقم لبعض الجروح والحروق كما ذكرت فهو يساعد في معالجة الالتهابات المختلفة.

وتذكر دراسات طبية استخدام البابونج قديماً في علاج الجروح والحروق وتسريع شفائها، كذلك في تعزيز كثافة العظام والعمل على حمايتها من الهشاشة أو ما يعرف باسم (الاسقربوط)، وهو مرض يصيب المتقدمين بالسن والذين يعانون من سوء التغذية وهي حالات كثيرة انتشرت في مخيم الركبان نتيجة قلة المواد الغذائية وصعوبة وصولها.

يقول الحاج أبو هاشم، 65 عاماً، إن نبتة البابونج ساعدته في التخفيف من آلام المفاصل الذي رافقه خلال عمله الشاق في بناء البيوت الطينية، ويروي أبو هاشم “بعد وصولي الى المخيم بعامين عملت بالبناء الطيني لتأمين مستلزمات البيت والعائلة، هذا العمل شاق جداً، لذلك بدأت بعد فترة أشكو من آلام في المفاصل والعظام، خاصة عندما أصحو من النوم، إذ أجد صعوبة في النهوض من الفراش، ولذلك نصحني ممرض في مستوصف المخيم باستخدام الأدوية والفيتامينات المتوفرة”.

ويتابع “إلى جانب هذه الأدوية أخذت زوجتي تجهز لي البابونج لشربه يومياً بشكل مستمر لمدة تجاوزت شهرين تقريباً، بدأت بعدها أشعر بتحسن كبير وخصوصاً عند القيام والجلوس، وتراجعت كثيراً الآلام التي كنت أواجهها”.

لا يخلو منزل سوري من نبتة البابونج التي تجفف عادة ويحتفظ بها لاستخدامها على مدار العام، ولهذا ينتظر أهالي مخيم الركبان موسم جمعه عند كل ربيع، حيث يخرج قسم من الأهالي إلى أماكن وجود النبتة الكثيف ضمن منطقة الـ ٥٥ في البادية السورية لجمعه، بداية الشهر الثالث من كل عام، ويستمر الموسم حتى نهاية شهر نيسان.

أبو محمد، أحد سكان المخيم الحريصين على القيام بذلك في كل عام، يقول إن جمع البابونج يوفر دخلاً مادياً لبعض الأسر، خاصة وأن الكثيرين يتناولونه كمشروب منعش في السهرات والجلسات العائلية وليس فقط كدواء، ما يزيد الإقبال على شرائه.

ويضيف: ننتظر موسم جمع البابونج، إذ يقوم أشخاص بقطفه وتجفيفه كمؤونة منزلية أو بيعه لسكان في المخيم، إذ وصل سعر الكيلو غرام واحد من نبتة البابونج إلى ثلاثين ألف ليرة سورية في العام الماضي، وهو ما يعادل أجرة عامل مياومة لثلاثة أيام في المخيم.

ويتوقع أبو أحمد موسماً وفيراً هذا العام بعد الهطولات المطرية الكبيرة التي طالت المنطقة، بعكس السنتين الماضيتين، ما سيشكل مورد رزق لعائلات في المخيم، سواء من قطفه وبيعه وصولاً إلى النساء اللواتي يعملن بتنظيفه من الأعشاب وتجفيفه قبل وضعه في أكياس أو عبوات بلاستيكية تمهيداً لبيعه.

نبتة البابونج صديقة للسكان في مخيم الركبان، يقول من تحدثنا معهم، خاصة وإنها تنافس مشروبات أخرى في موائدهم مثل الشاي والقهوة، وما لها من دور طبي، إذ تستخدم إضافة لما ذكرناه سابقاً في تهدئة الأعصاب وعلاج الأرق والتهابات الكلى والقولون العصبي وآلام المعدة وخفض سكر الدم.

ليس هذا وحسب، بل إن البابونج أحد أهم النباتات التجميلية، فهو يساهم في الحفاظ على نضارة البشرة ومعالجة حب الشباب ومحاربة التجاعيد وسد المسامات، كما يستخدم ككمادات لتخفيف الانتفاخات حول العين وازالة الهالات السوداء، ولذلك فهو بالنسبة للسيدات في مكان بمثل ظروف مخيم الركبان يعتبر كنزاً حقيقياً.

تقول “أم محمد” المتخصصة بتزيين السيدات في المخيم إنها تعتمد على سائل غلي المادة في تنظيف ما يتوفر لديها من معدات تستخدمها في العمل، مشيرة أن “استخدم مغلي البابونج يساعد على تنظيف بشرة السيدات”.

وتضيف الظروف الجوية هنا وخصوصاً الغبار يعمل على سد المسامات لدى السيدات، لذلك أنصح بالبابونج الذي يساعد على حل هذه المشكلة ويعطي نقاء للبشرة.

للفضيلة أو نبتة البابونج أهمية كبرى في حياة سكان الركبان، إذ لا تخضع لشروط الحصار المطبقة على المخيم منذ سنوات، تنمو بشكل طبيعي في الأرض ولا تحتاج لإذن دخول أو رشاوي وإتاوات للمرور. في الحصار يجترح السكان حلولاً لمقاومة ما يمر بهم في سبيل البقاء على قيد الحياة.