يخرج أبناء أم سمير، سيدة تعيش في مخيم الركبان، لتجميع الأوراق التالفة وأكياس النايلون والكراتين والقماش، لإشعال “موقدة الطهي” التي باتت جزء من منزلهاعوضاً عن الغاز المنزلي والببّور، بعد أن عجزت هي وكثر من أهالي مخيم الركبان عن شراء المحروقات التي وصلت لأسعار لا تتناسب مع قدراتهم المادية البسيطة.
تضع أم سمير عيدان الحطب وما جمعه أبناؤها لتحضير وجبتهم اليومية ومنحهم شيءاً من الدفء، وتجفف الأشياء المبللة والرطبة تمهيداً لإشعالها فيما بعد، تقول” باتت موقدة الطهي جزء من منازلنا ومكبّاً لكل شيء”.
تساعد تلك المخلفات في تخفيف استهلاك الحطب الذي تستعمله أم سمير في التدفئة والطهي، عوضاً عن المازوت والغاز اللذين انعدم وجودهما في بيتها، تخبرنا أن كيلو الحطب يباع بنحو 1200 ليرة في المخيم، ومؤخراً اشترت 50كغ، كما حصلت على حصة حطب بوزن 125 كغ ضمنت لها ساعات تدفئة إضافيّة لعدة أيام.
ارتفعت أسعار المحروقات في مخيم الركبان هذا الشتاء بأسعار تفوق مثيلاتها في مناطق النظام، المصدر الرئيس لها، يعود ذلك للنسبة التي يفرضها المهرب على التاجر مقابل إيصال المحروقات، بالإضافة إلى مرابح التجّار.
ووصل سعر ليتر المازوت الآن إلى 10آلاف ليرة سورية بعد أن كان سبعة آلاف وخمسمائة ليرة نهاية العام الماضي، ووصل البنزين إلى 19 ألف ليرة بعد أن كان 11 ألف ليرة، وأسطوانة الغاز المنزلي بوزن 14 كغ 400 ألف ليرة بعد أن بيعت ب 185 ألف ليرة.
يقول قسم ممن تحدثنا معهم في مخيم الركبان إن سكان المخيم يعتمدون في معيشتهم على أعمال المياومة والحوالات المالية، إذ تبلغ يومية العامل نحو 15 ألف ليرة سورية، وهي ما يعادل ثمن ليتر ونصف لتر مازوت، الكمية التي يحتاجها الببّور بالحد الأدنى يوميّاً، ويستخدم للتدفئة والطبخ.
خلال سنوات الحصار حاول أهالي الركبان مقاومة ظروفهم الصعبة والاستفادة من كل شيء وسط قلة البدائل المتاحة، مثل أبو حمزة، عامل بناء في المخيم، إذ لم يكن أمامه خيارات كثيرة أمام غلاء الغاز المنزلي، لذلك قرر استعمال الببّور الذي يعمل على المازوت.
يخبرنا أن زوجته استعملت الببّور في الطهي والتدفئة في بداية الشتاء، إذ وضعت صاجاً مدوراً فوق الببور لمنحهم شيءاً من الدفء، إلا أن هذا لم يدم بسبب المشاكل التنفسية التي عانى منها ابنه جراء استنشاقه للغازات المنبعثة، فضلاً عن غلاء المازوت واقتصار استعماله على الطهي فقط.
يندر في المخيم وجود مدافئ تعمل على المازوت أو الغاز،” أصبحت من الماضي والمنسيّات” يقول أبو حمزة، كما أن طبيعة المخيم الصحراوي وندرة وجود الأشجار فرض عليهم شراء الحطب للحصول عليه، وسط انعدام وسائل التدفئة البديلة مثل البيرين أو الفحم الحجري أو فحم الحرّاقات.
يقدّر أبو حمزة أن العائلة تحتاج لنحو طنّين من الحطب على أقل تقدير، يبلغ ثمنهما مليونين و400 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ مرهق ويصعب تأمينه لدى غالبية عائلات المخيّم، ما يدفعهم لشراء الحطب بالكيلو غرام، والاعتماد على الكميات القليلة التي توزعها بعض المنظمات الإغاثيّة، لتأمين الدفء في ساعات الليل الباردة، والاستعانة بـ “البطانيات” والأغطية في النهار.
ارتفاع المحروقات والدولار ألقى بظلاله على أسعار المواد التموينية والأساسية في المخيّم، إذ عادةً ما يكون تبريراً على ألسن تجار المخيم حين يبيعون بضائعهم، كما طالت الزيادة ثمن المياه، ووصل سعر نقلة المياه إلى 6000 ليرة سوريّة بعد أن كانت 4000 ليرة.
إلى جانب ذلك، يجد كثر من أهالي مخيم الركبان أنفسهم محرومين من استعمال مركباتهم ودرّاجاتهم النارية، يخبرنا أبو منذر أنه لم يستطع شراء الوقود لسيارته منذ عشرة أيام، ما يضطره للمشي مسافات بعيدة في هذه الظروف السيئة لشراء حاجياته من سوق المخيّم،كما ركن جاره أبو سليم دراجته النارية في منزله، وقرر الذهاب مشياً على قدميه إلى عمله بعد أن أصبح ثمن ليتر البنزين(19 ألف ليرة) يفوق ما يجنيه في عمله اليومي.
يقترب ثمن أسطوانة الغاز المنزلي(400 ألف) من أجرة عامل مياومة لشهر كامل، وهذا ما يفسر قلة استعماله في منازل السكان، حتى المازوت، وقود الطهي تحاول النساء تقليل استعمال الببّور ما أمكن لتخفيف كميات شرائه، تقول أم حسن، سيدة مقيمة في الركبان، إنها دائماً تضع قدراً من الماء فوق مدفأة الحطب لاستخدامه في الاستحمام وصنع مشروبات مثل الشاي والقهوة والزهورات.
ارتفاع أسعار المحروقات، بوصفها عصب الحياة في المجتمع السوري، يعكس أثراً سلبياً على كافة قطاعات الحياة في سورية، وخاصة في مخيم الركبان، حيث تخضع المواد الغذائية والبضائع التي تدخل إليه لإتاوات ورسوم تفرضها الحواجز العسكرية، ما يعني بيعها بأسعار تفوق مثيلاتها في مناطق سورية أخرى، ليساهم غلاء المحروقات ب”زيادة الطين بلّة” ومفاقمة الغلاء، أحد أقسى صور الحصار التي يواجهها الركبانيون بقدرات مادية ضعيفة، تفرض عليهم التقنين في كل شيء وأحياناً الإحجام عن الشراء، في حين يستمر إغلاق حدود المملكة الأردنيّة في وجوههم، وتغيب مساعدات الأمم المتّحدة والمنظمات الإنسانيّة.