![](https://hesar.net/wp-content/uploads/2023/02/٢-1024x670.jpg)
“البيرين” وقود يحافظ على مكانته في مدافئ سكان الشمال السوري
يحضر عروة الشيخ، صاحب ورشة لإنتاج البيرين، كيساً، ويخرج منها قوالب دائرية اسطوانية الشكل، تمهيداً لبيعها لزبائنه كوقود تدفئة متوفر بسعرجيّد وذو جدوى اقتصاديّة، حلّ بديلاً عن مواد أخرى ارتفعت أكلاف الحصول عليها لأسعار لا تتناسب مع قدرة السكان مثل المازوت والحطب.
![](https://hesar.net/wp-content/uploads/2023/02/٤-1024x670.jpg)
والبيرين هو لبّ حبة الزيتون التي تنفصل عن الثمرة خلال عملية العصر، تخضع للطحن والتكرير والتنشيف، ويضاف إليها مخلفات الزيتون”التفل”، شاع استعماله في الشمال السوري كوسيلة تدفئة بعد أن اقتصر استعماله سابقاً على تدفئة البيوت البلاستيكيّة والمداجن.
خلال السنوات الخمس الماضية اتجه سكان في الشمال السوري للاستغناء عن وسائل التدفئة المعتادة مثل(المازوت والكهرباء والحطب والغاز) لارتفاع أسعارها ورداءة ما هو موجود منها كالمحروقات المكرّرة، والحطب الرطب، واستعاضوا عنها بوسائل تدفئة باتت معروفة في الشمال السوري مثل البيرين والفحم الحجري وفحم الحراقات وقشور الفستق، بالإضافة إلى ملابس البالة والأحذية القديمة.
كثرة أشجار الزيتون في المنطقة شكّل أرضية خصبة لانتشار صناعة البيرين، يقول عروة الشيخ إن رحلة صناعة البيرين تبدأ من شراء البيرين الخام الذي يحتوي على نسبة عالية من الزيوت والرطوبة من معاصر الزيتون، ثم جمعه ووضعه في أماكن ليجفّ بشكل جيّد حتى فصل الصيف، إذ تبدأ عملية ضغطه في مكابس آلية على شكل قوالب اسطوانية، وتوضع هذه القوالب تحت الشمس لتجف مرّة أخرى، وتعبّأ في أكياس بوزن(20-25 كغ) للكيس الواحد، لتخزينها وبيعها فيما بعد.
يقول أبو عبدو، أحد سكان مدينة اعزاز، إنه اتجه لاستعمال البيرين منذ سنوات بوصفها”خياراً اقتصاديّاً جيّداً، وأقل ضرراً من الناحية الصحية قياساً بمواد أخرى مثل الفحم الحجري أو الملابس المستعملة، فبالرغم من الروائح الكريهة التي تنبعث بعد إشعال قطع البيرين، وتختفي بعد دقائق، إلا أنها لم تؤثر بشكل مباشر على صحة أفراد عائلته”.
التدفئة الجيدة التي يمنحها البيرين، وسرعة اشتعاله وطول مدة احتراقه جعله خيار عائلات كثيرة في شتائهم، كما أنه لا يحتاج إلى مدافئ خاصة به، يخبرنا أبو عبدو أنه اشترى، قبيل قدوم فصل الشتاء، ب130 دولار، طنّاً واحداً من البيرين، وهي الكمية التي تحتاجها عائلته سنويّاً، في حين تستهلك عائلته ضعف الكمية إن قررت استعمال الحطب في التدفئة، ما يضطره لدفع أكلاف مادية تفوق قدرته، إذ يبلغ ثمن طنين من الحطب نحو 360 دولار.
ارتفعت أسعار البيرين مع بداية فصل الشتاء، إذ يزيد الطلب عليه، يقول أبو عبدو إنه من الأفضل شراءه في الشهر الأخير من الصيف، فالفارق في سعر الطن قبل بداية الشتاء وفي منتصفه قد يصل إلى ثلاثين دولار.
في المقابل هناك عائلات تعجز عن تأمين ثمن طن من البيرين وشرائه دفعة واحدة، فضلاً عن انعدام مساحات كافية لتخزينه بشكل جيد، وخاصة لدى العائلات التي تعيش في المخيّمات، ما يدفعها لشرائه بكميات قليلة(كيس أو كيسين)، وأنواع رديئة أحياناً.
يتراوح اليوم سعر طن البيرين في مدينة اعزاز بين(130 إلى 160) دولار، تبعاً لجودته ودرجة جفافه، فالبيرين ذو السعر المتدني هو البيرين الرطب الذي يصعب اشتعاله ويطلق روائح كريهة”لا تطاق” بحسب أبو عبدو.
آخرون اعتمدوا طريقة أخرى في شراء البيرين واستعماله لتقليل التكلفة ما أمكن، مثل خالد قدور،يعيش في مدينة اعزاز، يقول إنه توجه إلى المعاصر في مدينته واشترى منها كميات البيرين الخام بعد موسم عصر الزيتون، وضعه على سطح منزله وعرّضه للشمس حتى يجف، ثم جمعه تمهيداً لإشعاله في الشتاء.
إلى جانب جهد خالد وتعبه، فإن هذه العملية لم تكلّفه أكثر من نصف ثمن طن من البيرين المضغوط(قوالب)، أما عن آليه إشعاله يقول خالد إنه يستعمل مدفأة قشور الفستق لإشعال حبّات البيرين المجفف غير المقولب والتي تشبه حبّات التراب، إذ تحوي المدفأة خزاناً يوضع بداخله كمية من البيرين، وفيها “راصور” يدفع بالبيرين إلى قلب المدفأة حسب المدة المحدّدة في المؤقت الزمني.
يوفر موسم صناعة البيرين فرص عمل لعدد من أبناء المنطقة من بداية شهر حزيران حتى نهاية شهر تشرين الأول، يقول أبو محمد، مالك ورشة بيرين في اعزاز، إن الورش تبدأ عملها في الصيف للاستفادة من أشعة الشمس القويّة في التجفيف، وكل ورشة تحوي من سبعة إلى خمسة عشر عامل، تبعاً لحجمها.
بالرغم من فائض الإنتاج، إلا أن أسعار البيرين ارتفعت هذه العام بنحو عشرين دولار للطن الواحد مقارنة بالعام الماضي، ويرجع أبو محمد، ذلك لغلاء مادة الديزل المستخدمة في تشغيل مولدات الكهرباء التي تشغّل آلات ضغط وقولبة البيرين.
يشير أبو محمد إلى صعوبات أخرى تواجهه أثناء شراء المادة الخام من المعاصر، أهمّها: زيادة أسعارها واختلافها بين معصرة وأخرى، وامتناع أصحاب معاصر عن البيع واتجاههم لتصنيع البيرين في معاصرهم، إضافة إلى زيادة الطلب على البيرين الخام من قبل ورش تصنيع الصابون لحاجتهم إلى زيت البيرين.
قد لا يكون البيرين أفضل أنواع الوقود جودة، إلا أنه بتكلفته المادية المقبولة وأضراره الصحيّة القليلة كان خيار عائلات كثيرة في صنع دفء الشتاء لهذا العام، في حين تجبر الظروف الاقتصادية الصعبة بعض العائلات على شراء البيرين الرخيص من النوع الرطب والرديء، وتحمّل رائحته التي يرونها أرحم من انبعاثات المحروقات المكرّرة والفحم الحجري والملابس والأحذية القديمة والبلاستيك والنايلون.