تضاعفت أسعار المواد الغذائية في مخيم الركبان عند الحدود السورية الأردنية بالتزامن مع قدوم شهر رمضان قياساً بالعام الفائت، بسبب الحصار المفروض على المخيم، ودخول المواد إليه عبر ممرات التهريب وتغير سعر صرف الليرة السورية، الأمر الذي أدى لعجز كبير في القدرة الشرائية للسكان، نتيجة الفارق الكبير بين متوسط الدخل وأسعار المواد الغذائية والتموينية في الركبان.
ومثل كل عام، تشهد الأيام الأولى من شهر رمضان ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار في مختلف المناطق السوريّة، لكن هذا الارتفاع في مكان محاصر مثل الركبان، تندر فيه فرص العمل وتتدنّى أجورها، يترك السكان في حيرة وعجز، أحياناً، عن تحضير وجبة رمضانية بأقل تكلفة، فهناك أسعار تضاعفت عدة مرات علماً أن سعر الليرة السورية كان قرابة 3900 مقابل الدولار الواحد في رمضان الفائت، ووصلت إلى 7400 في رمضان الحالي.
الخبز وهو العمود الفقري في حياة السكان كان مفقوداً في اليوم الذي سبق بداية رمضان، بسبب شح الطحين واضطرار الفرن لإنتاج الخبز ليومين فقط في الأسبوع، ما حرم عدد من السكان تناوله في أول مائدة سحور رمضاني، في حين لجأت عدد من العائلات لشراء الخبز “السياحي” الذي دخل بكميات محدودة، يوم أمس، إلى المخيم، وبيعت الربطة منه، تحوي على سبع أرغفة، بخمسة آلاف ليرة سوريّة، وهو مبلغ مرهق ويصعب تأمينه، خاصة بالنسبة للعائلات التي تحتاج لأكثر من ربطة، وسط خلو المحلات من الطحين الأسمر والأبيض منذ أزيد من ثلاثة أشهر.
الارتفاع الكبير في الأسعار طال اللحوم بالدرجة الأولى، إذ تضاعف سعر كيلو لحم الأغنام لقرابة أربعة أضعاف ما كان عليه في العام السابق، ووصل إلى نحو 75 ألف ليرة سورية، كذلك الفروج النيء وإن كان بنسب أقل، إلا أنها تجاوزت الضعفين، ووصل سعر الكيلو غرام منه إلى 32 ألف ليرة، أما طبق البيض فقد ارتفع سعره بنسبة 100%، وبيع اليوم بـ 28 ألف ليرة، وحده اللبن انخفض سعره من 7000 ليرة في العام الماضي إلى 5000 آلاف هذا العام.
يصف أبو وضاح، عامل مياومة في المخيم، هذا الغلاء بـ”غير المعقول وغير المقبول”، إذ “لا يعقل أن يدفع العامل أجرة خمسة أيام مقابل شراء كيلو لحم أغنام”، مضيفاً أن “التجار وأصحاب المحلّات تعمّدوا رفع الأسعار قبيل بداية الشهر الفضيل، فكيلو اللحم بيع بـ 70 ألف ليرة، والفروج النيء بـ 25 ألف ليرة قبل أسبوع من بداية رمضان”.
يأتي رمضان قاسياً جداً هذه العام على سكان مخيم الركبان بحسب أبو وضاح، يخبرنا “في الأعوام السابقة كان هناك قدرة لإعداد الوجبة الرئيسيّة وتزيينها بالمقبلات مثل الفتوش والسلطة والبطاطا المقليّة وما يضاف إلى مائدتهم من سكبات، أما العام الفائت وهذا العام، يصفها بـ “سنين الحصار والغلاء” فبالكاد يستطيع تأمين وجبة وحيدة غير دسمة وبأقل تكلفة”.
الخضار التي غابت عن مخيم الركبان في الأيام الأولى من رمضان الفائت، دخلت كميات منها إلى المخيم قبل يومين من بداية الشهر الفضيل، إذ وصل سعر كيلو البندورة إلى 6000 ليرة، الكوسا والخيار والباذنجان والبصل بذات السعر، البطاطا بـ 4000 ليرة، وربطة البقدونس أو النعناع أو الحشائش الأخرى بـ 2000 ليرة سورية.
الحبوب ارتفعت أسعارها هي الأخرى، إذ بلغ سعر كيلو الأرز من النوع المصري نحو 11 ألف ليرة، و22 ألف ليرة للأرز الطويل(الكبسة)، وبيع البرغل بـ 10 آلاف ليرة، والعدس الأحمر والأسمر بـ 20 ألف ليرة، والسكر بـ 10 آلاف ليرة والشاي بـ 90 ألف ليرة، أي أزيد من ضعفي سعرها في العام الفائت.
ليتر زيت عباد الشمس وصل سعره إلى 24 ألف ليرة، وزيت النخيل إلى 19 الف، وكيلو السمن إلى 26 ألف ليرة، أما المواد التي ترافق رمضان فقد حلقت أسعارها هي الأخرى، إذ قفز سعر التمر خلال أيام من 17 ألف إلى 25 ألف ليرة، وتخطى كيلو الحلاوة 25 ألف، وكيلو الزبدة 30 ألف.
ارتفاع أسعار اللحوم وانخفاض أسعار الخضار مقارنة بباقي المواد دفع سيدات في المخيم للاعتماد عليها لتحضير أكلة رمضانية، ما أدى لوجود أطعمة لم تكن معتادة في مائدة اليوم الأول من رمضان، مثل البطاطا المسلوقة أو البطاطا بالزيت أو وجبة المقالي أو الفول بالزيت.
يقول محمد الأحمد، رب أسرة يعيش في الركبان، إن “الوجبات التي كنا نحضّرها في الأيام العادية، ستكون ذاتها في أيام رمضان، على الرغم أننا اعتدنا أن نعدّ، حين كنا في مناطقنا، وجبات دسمة وغنية بالمقبّلات والعصائر والمشروبات الحلويات، لكن هذا غير متاح وسط الفقر المدقع الذي يعيشه غالبية سكان المخيم”.
وجبات “تمشية الحال”، منها ما سيكون غير دسمة، أو بدون مقبلات وعصائر، أو بتغيير في مكونات الحشوة لتقليل التكلفة، هي زاد من فاقم الحصار والغلاء أوضاعهم في مخيم الركبان، إذ تحتاج العائلة يومياً لنحو 70 ألف ليرة على أقل تقدير لتأمين وجبة سحور وإفطار، في حين يبقى الأهم الأكبر مرتبطاً بتأمين رغيف الخبز الذي ما عاد يوميّاً في الركبان، ثم التفكير في تحضير وجبة الإفطار وسط حيرة النساء اليومية وعجز الرجال عن تأمين المال الكافي.