اللبن ومشتقات الحليب زادُ نساء الركبان في صنع موائدهن وتنويعها

انخفضت أسعار الحليب واللبن في مخيم الركبان، بعد زيادة أعداد الماشية في منطقة الـ 55 وتوفّر المراعي التي أغنت المربين عن شراء الأعلاف، الأمر الذي ساعد سيدات في المخيم على تحضير وجبات رمضانية يكون فيها اللبن مكوناً أساسيّاً، بالإضافة إلى القدرة على تحضير مؤونة هذا العام أو قسم منها.

ويباع اليوم كيلو الحليب أو اللبن بخمسة آلاف ليرة سوريّة في مخيم الركبان، وهو سعر يراه من تحدّثنا معهم “معقولاً” مقارنةً بغلاء معظم المواد الغذائيّة وبسعره سابقاً، إذ بيع اللبن في رمضان الفائت بثمانية آلاف ليرة سورية ووصل سعره، نهاية الصيف الفائت، إلى خمسة عشر ألف ليرة، وباتت عملية الحصول على حليب للمؤونة أو لبن لصنع اللبنة معقدة جداً وتحتاج الذهاب إلى عدة محلّات تبيع الحليب بسبب قلة الكميات.

بالرغم من ارتفاع سعر اللبن في رمضان الفائت، لكنه كان وما يزال أساسياً في وجبات عدّة، وضيفاً خفيفاً وأقل تكلفة تستعين به سيدات في موائدهن عوضاً عن السلطة والفتوش والشوربات لغياب الخضار بسبب منع حواجز النظام إدخالها للمخيم، ولارتفاع ثمن ما دخل منها عبر ممرات التهريب.

اعتادت أم تحسين، سيدة تعيش في الركبان، على تحضير وجبة الشاكرية باللحم في اليوم الأول من رمضان، فهي طبق العائلة المفضّل وفأل خير كونها تطبخ باللبن الأبيض المتوفّر بكثرة في المخيم.

تقول أم تحسين إن الأكلات البيضاء ما زالت تطغى على غالبية موائد المخيم، خاصة مع انخفاض سعر اللبن، لكن غلاء لحم الأغنام(75 ألف للكيلوغرام) دفع أم تحسين ونساء أخريات للبحث عن حلول أخرى كي لا يحرمن أطفالهن من هذه الوجبات المعتادة والمحبّبة لديهم، إذ وضعت لحم الدجاج الأرخص سعراً من لحم الأغنام في الطبّخة.

دفعت أم تحسين نحو أربعين ألف ليرة لإعداد طبخة شاكرية بعد تقليل مكوناتها وإدخال تعديلات عليها، إذ اشترت نصف كيلو لحم دجاج بستة عشر ألف ليرة سورية، واثنين كيلو من اللبن بعشرة آلاف، وكيلو أرز من النوع المصري بأحد عشر ألف ليرة، في حين تحتاج وجبة الشاكرية “بحسب الأصول” إلى مبلغ لا يقل عن مئة ألف ليرة، وذلك بشراء كيلو لحم أغنام بخمسة وسبعين ألف ليرة، بالإضافة إلى سعر اللبن والأرز والنشاء والبيض وورق الغار.

اللبن كان حاضراً إلى جانب التمر في مائدة السحور في منزل أم تحسين، تروي” لشراء كيلو زبدة وآخر حلاوة وطبق بيض ستحتاج إلى نحو مائة ألف ليرة، وهذا ليس بمقدوري كما أنها لن تكفينا لأكثر من أيام، لدي سبعة أولاد، لذا لجأت إلى اللبن الذي لم يغب عن موائدنا في رمضان وفي غيره من أيام السنة”

خلال سنوات الحصار، دأب سكان في مخيم الركبان على تعويض نقص الخضار وفقدانها بتناول اللبن، وإن ارتفعت أسعاره السنة الفائتة لأرقام غير مسبوقة لكنه كان زاد المحاصرين عندما منعت حواجز النظام إيصال الخضار والمواد الغذائيّة إلى المخيّم، وعجزوا عن تحضير المؤونة بسبب ارتفاع أسعارة الحليب وقلّة كميّاته.

إلى جانب ذلك، وجدت عدد من العائلات، ممن لديها القدرة الماديّة، في انخفاض سعر الحليب فرصة جيّدة لتحضير المؤونة المعتادة، والتي غابت عن معظم البيوت في العام الفائت.

يقول أبو محمد، أحد نازحي المخيّم، إن عائلته الكبيرة تحتاج سنويّاً لنحو خمسين كيلو من الجبن ومثلها من اللبنة وعشرة كيلو من الشنكليش وخمسة من السمن العربي، إلا أنّه وضع العام الفائت أقل من نصف الكمية، لكن انخفاض أسعار الحليب سيمكّنه، هذا العام، من تحضير مؤونته المعتادة، وبسعر أقل مما دفعه سابقاً.

الاعتماد على المؤونة لم يعد يقتصر فقط على الشتاء وأيام الحصار، إذ صنعت نساء في المخيم مؤونة بكميات محدودة من الجبن واللبنة والشنكليش لإضافة شيء إلى موائد السحور والإفطار وسط الغلاء المتفاقم في المخيم وعجز كثر عن تحضير وجبة رئيسيّة.

تروي أم احمد، نازحة تعيش في المخيم، أنها تسعى لتحضير مؤونتها بعد أن عزفت عن تحضيرها في الموسم الماضي، لكنها صنعت نحو خمسة كليو من الجبن وذات الكمية من اللبنة واثنين كيلو من الشنكليش لتزيين مائدة السحور، خاصة أن أولادها اشتاقوا لهذه الأطعمة.

ولتحضير خمسة كيلو غرام من الجبن، تقول أم أحمد “اشتريت نحو عشرين كيلو غرام من الحليب بسعر مائة ألف ليرة سوريّة، وهو مبلغ يصعب تأمينه لدى عدة عائلات في المخيم بالرغم من رخص أسعار الحليب، الأمر الذي دفع سيدات للاكتفاء بكميات محدودة في الوقت الحالي من اللبنة أو الشنكليش، في حين عزفت سيدات عن تحضير أي شيء لتركيزهن على وجبة الفطور وكيفية تأمين ثمنها بوصفها الطبق الرئيسي في رمضان”.

وكانت منطقة الـ 55 كم، حيث يقع مخيم الركبان، قد خسرت نحو ثلثي مواشيها في العام الماضي، بعد أن رحلت مع أصحابها إلى مناطق النظام بسبب الجفاف وغلاء الأعلاف واستمرار الحصار، ووصل سعر اللبن والحليب لأضعاف سعرهما، لكن وفرة المراعي أوقفت عمليات ترحيل الماشية وأزالت خطر اختفاء الثروة الحيوانية التي عادت أعدادها لتزداد، وتأخذ مكانها في الدورة الاقتصادية داخل المخيم، كونها مصدر دخل للعديد من أبناء المخيّم وغذاء دائم من اللحم واللبن والمؤونة يساعد السكان على الحياة حين اشتداد الحصار.

يقول أسعد الخالدي، مربي ماشية يملك ثلاثمائة وخمسين رأساً من الأغنام، إن اعتماد الماشية في غذائها على المراعي التي انتشرت بكثرة في منطقة الـ 55كم بعد موسم الشتاء، ساهم في زيادة إنتاجها من الحليب الذي أصبح متوفراً بكثرة في السوق وبأسعار معقولة، بالإضافة إلى مشتقاته، فضلاً عن التحسّن في النوعية والجودة وقيمتها الغذائيّة.

طوال سنوات الحصار برز دور اللحم واللبن كمصدرين غذائيين مهمين في المخيم، اليوم وصل سعر كيلو لحم الأغنام لأرقام مرهقة للسكان نتيجة الطلب الزائد على شراء الماشية، لذلك استعاضت نساء في الركبان عنه بالدجاج أو شرائح المرتديلا، في حين يبقى اللبن حاضراً دائماً في موائد السحور والفطور، أما الحليب فيمثل انخفاض سعره فال خير يبشر بعدم حرمان النازحين من المؤونة، وإن صنعوها بكميات محدودة.