لا رائحة يانسون وشمرة في شوارع مخيم الركبان مع اقتراب عيد الفطر، لا أفران عامرة ولا نساء تجمّعن لعجن وخبز كعك العيد، إذ تبدو أيام وقفات العيد مثل غيرها من الأيام يزيدها قسوة ظروف السكان وتأجج الذاكرة وغياب الأجوبة من العائلات لزرع الفرحة على وجوه أطفالهم.
“لا يكمل عيد بلا كعك”، تروي لنا أم حسين، نازحة من ريف حمص تسكن مخيم الركبان منذ سنوات، ووفق ما تقوله السيدة، إذن لا عيد سيزور سكان الركبان هذا العام، خاصة وأن الطحين بات سلعة لا يمكن الحصول عليها حتى للخبز الذي غاب عن موائد كثير من سكان المخيم لأيام كثيرة في الأشهر الماضية.
بين بيوت المخيم، وفي سنوات سابقة، رغم ظروف الحصار، كان كعك العيد حاضراً، وفق ما ترويه سيدات في المخيم، فصناعته من ثوابت العيد في حياة السوريين من جهة، وبإمكانه أيضاً أن يغطي نقص وجود “ضيافة العيد”، إذ استغنت عائلات كثيرة في أعياد ماضية عن شرائها لارتفاع ثمنها أو لعدم وجودها واكتفت بتقديم أنواع مختلفة من “أقراص العجوة والكليجة”، تزينها ربات المنازل بنقوش مختلفة.
تقول أم حسين، سابقاً كنا نصنع كميات كبيرة من كعك العيد، تجتمع النسوة والجارات على العمل الذي يتقاسمنه، كل يوم في بيت سيدة لمساعدتها، ونتفنن بصناعة أنواع مختلفة منه.
وتخبرنا أم محمد، سيدة في المخيم، إنها لن تستطيع هذا العام، حالها كحال معظم سكان الركبان صناعة كعك العيد، تقول “لا يوجد طحين، وإن وجد فبأسعار عالية، إذ وصل سعر الكيلو غرام الواحد إلى تسعة آلاف ليرة، وهو ما يعادل أجر زوجي ليوم كامل من عمله كمياوم، إضافة لباقي ما يحتاجه الكعك من سمن وعجوة وسكر وتوابل أخرى”.
وتقدر السيدة ما يحتاجه صناعة ثلاث كيلوغرامات من الكعك، اليوم في مخيم الركبان، إن توفرت المواد، بنحو مئة ألف ليرة، هذا إن استثنيا “المعمول” والذي يحتاج للجوز والفستق، وعندها ترتفع التكلفة لضعفي هذا المبلغ.
ليست المواد فقط ما ينقص سكان مخيم الركبان، كذلك الفرن، إذ تعتمد معظم ربات المنزل في طهي طعامها على “ببور الكاز”، وهو لا يصلح لصناعة الكعك، ما يدفع الراغبات بصناعة الكعك لاستعارة فرن من عائلات قليلة تملكه.
تقول أم عمر، سيدة في مخيم الركبان تمتلك فرن غاز، إنه وفي كل عام كانت تعير فرنها لعائلات كثيرة لصناعة الكعك، وإن النساء كانت تحجزنه قبل فترة من الزمن، لكن هذا العام كان مختلفاً، فقط أربع عائلات استعارت فرنها، وهو ما يدل على أن معظم العائلات لم تعدّ الكعك هذا العام.
وتضيف أم عمر أن معظم سكان المخيم يعجزون عن شراء ما تحتاجه صناعة كعك العيد من مواد، والتي حددتها بـ “طحين، حليب ناشف، سكّر، خميرة، يانسون، حبة البركة، شمرة، سمسم، محلب، جوزة الطيب”.
أم محمود، سيدة تسكن مخيم الركبان، مكّنتها ظروفها من صناعة كعك العيد هذا العام، أخبرتنا أنها استطاعت تأمين مواد الكعك، كان الأصعب تأمين الطحين والسكر الناعم لكنها استطاعت في النهاية تأمين ما يلزم وبدأت في منزلها بتحضير الكعك رفقة سيدات دعتهن لمساعدتها.
وتحدثت أم محمود أنه وبعد “تخمير العجين”، توزعت النسوة العمل فيما بينهن، من تقطيع ونقش على القالب وشيّ على الفرن الذي استعارته لهذا الغرض.
كان مظهراً يشي بالعيد، وصفته أم زهراء، إحدى النسوة اللواتي ساعدن أم محمود في طقس صناعة كعك العيد. وأضافت أم زهراء أن رائحة الكعك عشّشت في المكان وفي أنف أطفالها الذين ألحوا عليها لصناعة كعك العيد، فاستجابت لطلبهم وبدأ زوجها برحلة البحث عن مواده، تقول إن فرحة أطفالها كانت لا توصف لعلمهم بصناعة الكعك، المشهد “أحرق داخلي، كاد أن يقتلني”، على حد قولها.
قسم من الذين لم يستطيعوا صناعة كعك العيد توجهوا لشرائه جاهزاً من محل حلويات في المخيم، تقول أم محمد إنها اشترت كيلو غراماً واحداً من الكعك بمبلغ 25 ألف ليرة، لتقدمه لأطفالها، تقول إنها لن تستطيع تقديمه للضيوف في العيد، ولكنها أرادت أن تزرع الفرح على وجوه أطفالها.
أبو حسام، صاحب محل حلويات في سوق الركبان، قال إن معظم الزبائن تمر من أمام الحلويات المصفوفة في المحل، تسأل عن السعر وتغادر، وإنه من أصل عشرة زبائن يشتري واحد منهم، وإن الكميات التي تباع اليوم أقلّ من سابقها بكثير.
ويضيف أبو حسام، “في نهاية شهر رمضان من كل عام نصنع أقراص العيد بشكل أكبر من باقي أنواع الحلويات، غالباً ما كنا نجهز كميات كبيرة لكن في هذا العام نعجن كميات قليلة، وأحياناً نخبز على الطلب”.
يبلغ سعر كيلو غرام واحد من كعك العيد في مخيم الركبان نحو 25 ألف ليرة، والحلويات المشكلة 30 ألف ليرة، يقول أبو حسام إن المشترين فقط من الميسورين، وفي أغلب الأحيان يشتري أشخاص كميات قليلة لا تتجاوز كيلو غرام واحد أو اثنين على الأكثر. سيكتفي من تحدثنا معهم بتقديم فنجان من القهوة وقطعة من البسكويت، إن توفرت، في عيدهم، بينما ستغيب أصناف الكعك عن موائدهم، بعد حصار خانق مفروض على السكان الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر وسط تجاهل دولي لنحو سبعة آلاف إنسان يعيشون في صحراء الركبان محرومين من بهجة العيد حتى وإن كان فرحه منقوشاً على شكل قرص مدور من الكعك.