ملابس العيد.. فرح معلّق لأطفال مخيم الركبان

تختلف أسعار الألبسة في المحلات القليلة التي تتوزع على طرفي سوق مخيم الركبان، ولكنها تتفق جميعها في مصدر هذه الثياب عبر طرق التهريب من مناطق النظام ما يزيد من أسعارها، كذلك تتفق في ارتفاع الأسعار وعدم تناسبها مع القدرة الشرائية للسكان في المخيم.

ومع اقتراب عيد الفطر، تشهد سوق الألبسة انتشاراً وتنوعاً ملحوظين، لكن الأسعار حالت دون قدرة كثيرين على زرع الفرحة على وجوه أطفالهم.

وفي جولة على محلات الألبسة، نحو 12محلاً في المخيم، نجد أن سعر أي بنطال للأطفال يتراوح بين 30 إلى 50 ألف ليرة، والكنزة أو القميص كذلك الأمر، بينما يصل سعر القميص أو الكنزة الرجالية إلى 60 ألف ليرة، والبنطال لنحو 50 ألف.

الألبسة النسائية هي الأكثر غلاء، إذ تتراوح سعر العباءة بين 175 إلى 200 ألف ليرة، والثوب النسائي يصل لنحو 100 ألف ليرة، أما الأحذية فيتراوح سعرها بين 35 و60 ألف ليرة.

البضائع المتوفرة متوسطة أو ضعيفة الجودة، بحسب أصحاب المحلات، إذ تغيب الألبسة ذات الجودة العالية بسبب ارتفاع ثمنها، يضاف إليها الألبسة القديمة من المواسم السابقة والتي لم تباع وأعيد تدويرها.

ويرجع من تحدثنا معهم غلاء الأسعار وقلّة تنوع الألبسة داخل محلات المخيم لانهيار الليرة السورية من جهة، وارتفاع أسعارها من مصدرها، يضاف إليها ما يتقاضاه المهربون لإيصالها. أما ضعف التنوع فيعود لعدم قدرة أصحاب المحلات على التسوق إلا من خلال الصور أو عبر الوسطاء، كذلك مراعاة قدرة السكان على الشراء ما يقلل من الخيارات.

معظم سكان المخيم البالغ عددهم نحو سبعة آلاف إنسان، يعيشون ظروفاً قاسية نتيجة الحصار المفروض عليهم منذ سنوات، والذي أدى بدوره لنقص فرص العمل أو انعدامها إلا في بعض المهن اليدوية والمحلات الخدمية القليلة، إضافة لعمال البناء وتربية الماشية.

ويتقاضى عمال المياومة أو البناء مبالغ لا تتجاوز 15 ألف ليرة يومياً، وهو ما لا يكفي، بحسب من تحدثنا معهم، لتأمين الطعام فقط، إذ يعتبر اللباس وغيرها من مظاهر العيد رفاهية لا يجرؤون على التفكير بها، إلا في حال وصول بعض الحوالات المالية من أقاربهم في الخارج، خاصة وأن المنظمات الإنسانية لا تصل إلى المخيم الصحراوي، سوى من قبل بعض الأشخاص، أخيراً، والذين وزعوا بعض السلل الإغاثية خلال الشهرين الماضيين.

تخبرنا أم أيمن، وهي أم لخمسة أطفال في المخيم، أنها لم تستطع تأمين ثمن ثياب جديدة لأطفالها، تقول إن الفرحة غابت عن وجوههم، إذ تحتاج في أقل تقدير لنحو 600 ألف ليرة لشراء “بدل واحد لكل طفل”، وهو راتب عامل لشهرين متتاليين، هذا إن لم نحسب تكلفة الطعام والشراب، على حد قولها.

وتضيف أم أيمن، أن أطفالها، نسوا طعم العيد منذ زمن، قسم منهم، من يبلغ من العمر عشرة أعوام، يعملون للمساعدة في شراء احتياجات المنزل، “قوت يومهم” على حد وصفها، وإنهم لا يخرجون من المنزل خلال العيد إلى أي مكان، هي ذاتها لا تخرج من المنزل، تقول إنها لا تريد إحراج نفسها بزيارة أحد تجنباً لزيارتها وعدم قدرتها على تقديم ما يستر وجهها من ضيافة أو كعك العيد الذي غاب عن أولوياتهم.

أبو محمد، عامل بناء في المخيم وأب لثمانية أطفال، قال إن ما يجنيه من عمله لا يكفي لتأمين ما يلزم من طعام، وإن شراء ملابس لأطفاله سيقضم ما يجنيه لأشهر، ما دفعه لتجاهل الموضوع، ترافقه غصة لعدم قدرته على إسعاد أطفاله، وغصة أخرى حين يمر العيد عليه وعائلته في هذا المكان المحاصر بعيداً عن الأهل والأقارب.

وعلى الرغم من عمل أم علي، لديها ثلاثة أطفال فقدوا والدهم منذ سنوات، كخياطة في المخيم، لكنها لم تستطع شراء أو تفصيل ثياب لأطفالها، تقول أم عملي إن ما تجنيه من عملها لا يكفيها قوت يومها، وإن عملها غير منتظم، تعمل أياماً وتجلس أشهراً دون زبائن.

تشيح أم علي بوجهها وهي تخبرنا، أنها، وكالعادة، وعدت أطفالها، أكبرهم في الثامنة من عمره، بشراء كل ما يتمنونه في العيد القادم، دون معرفة ما إن كانت ستحقق وعدها لهم أم سيكون وعداً غير قابل للتحقيق، كالذي سبقه في السنوات الماضية.

العروض والتنزيلات التي سمعت بها أم أحمد دفعتها لارتياد السوق، لكنها فوجئت بالأسعار، تقول إنها اشترت لطفلها “بدلاً واحداً” بـ 175 ألف ليرة، ولطفلتها بـ 160 ألف ليرة، ساعدها على ذلك حوالة مالية وصلت من أهلها، لكنها لم تكف لشراء شيء لها هي الأخرى.

الأسعار في مخيم الركبان غير مرتفعة، إذا ما قارناها بأسعار الملابس في مناطق أخرى من سوريا، مثل الشمال السوري، إذ يتراوح سعر أي “بدل” بين 50 إلى 100 دولار (أي بين 400 إلى 800 ألف ليرة سورية، بحسب سعر الصرف”، وفي دمشق تتشابه أسعار الملابس بتلك في مخيم الركبان مع وجود تنوع كبير يجعل متوسط أي بدل نحو 300 ألف ليرة سورية. لكن هذه الأسعار لا تتناسب مع قدرة السكان في مختلف المناطق السورية على الشراء، خاصة وأن 90٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

ويعتمد سوق الألبسة في مخيم الركبان، بحسب أم محمد صاحبة محل، على التهريب من مناطق النظام، وتقول إن الأسعار ارتفعت بنحو 50٪ عنها في الأعوام الماضية، ما أدى لعزوف معظم السكان عن الشراء، واقتصاره على ميسوري الحال أو قسم من السكان الذين حالفهم الحظ بوصول حوالة مالية من أقاربهم. يحارب سكان مخيم الركبان للبقاء على قيد الحياة، وتحذف من أولوياتهم ما يشعر أطفالهم بالبهجة من كعك للعيد وألبسة وألعاب، وسط تجاهل العالم لسكان هذه البقعة الصحراوية منذ أزيد من ثلاث سنوات.