يلجأ أهالي مخيم الركبان إلى المونة الموسمية؛ وفي مقدمتها الكشك، الذي يعدُّ من الوجبات الغذائية الّتي هاجرت وانتشرت في مختلف بقاع الأرض؛ فكلّ من هاجر حمل معه إلى بلاد الاغتراب هذه المأكولات التي نشأ وترعرع عليها.
تحضر بعض السيدات “المونة” من “مجففات” و”مربيات”ويشتهرنّ بها؛ فمع وفرة الحليب هذا العام، بسبب غزارة الأمطار وكثرة الخيرات، ازداد الاقبال على صناعة “مونة الكشك”.
الكشك..طريقة التصنيع
أم أحمد، سيدة سبعينية نازحة إلى المخيم من تدمر، تقول: “توارثنّا صناعة الكشك عن أجدادنا وأمهاتنا حيث كانت تجتمع نسوة الجيران للمساعدة في تقطيع الكشك، وفركه بعد انتهاء مدة تخميره المحددة”.
وتعتبر طبخة “الكشك” من أهم المأكولات الشتوية؛ إذ لا يخلو بيت من هذه المادة الأساسية التي تتواجد على سفرة الفطور والعشاء في الشتاء.
وتشرح طريقة التحضير، بالقول: “يحتاج كل أربعة كيلو لبن إلى كيلو برغل، أو كيلو طحين، ونقوم بزيادة الكمية حسب قساوة الخليط، إذ يحتاج كل كيلو لبن يحتاج إلى ملعقة ملح خشن وملعقة خميرة”.
وتضيف: “نضع اللبن في وعاء من الخشب أو البلاستيك أو الستالس؛ كي لا يأخذ اللبن طعم.. نتركه مدة ثلاثة أيام.. بعدها نضيف الملح ويترك لعدة ساعات؛ كي يتفاعل الخليط”.
ومن ثم تشير أم أحمد إلى قيامها بـ “إضافة الطحين بالتدريج على دفعات حتى يمزج جيداً.. نغطي الوعاء بقطعة قماش رفيعة (شاشية)، ويترك مابين خمس إلى ست ساعات؛ حتّى تظهر حموضته”.
تلك المراحل التي تحدثت عنها السيدة أم أحمد، تسبق مرحلة النشر والتقطيع؛ إذ يتم نشر الخليط على أسطح المنازل؛ ويترك تحث أشعة الشمس ويتم تحريكه بشكل متواصل حتّى يجفّ.
“الدعك” عوضًا عن المكنة الكهربائية
وتعود بها الذاكرة إلى ما قبل النزوح؛ إذ كانت تقوم بطحن الخليط في “الطاحونة الكهربائية”، قبل النشر والتجفيف، وبسبب غياب الكهرباء، اضطرت سيدات المخيم إلى شراء الطحين الأسمر؛ ليسهل فركه براحة اليد حتّى ينعم مثل البودرة ومن ثم يقمنّ بنخله بـ “الموخل”، ثم ينشر ويترك ليجف لمدة يومين.
وتستذكر أم أحمد الأيام الخوالي حينما كانت “المونة” فرصة لأحاديث جارات الحي والسمر..” كنّا نتسابق لعمل مونة الشتاء، تنتشر الصواني على أسطحة المنازل المملوءة بدبس البندورة ودبس الفليفلة وشقيق الباذنجان والقرع”.
طبخات “الكشك” المتنوعة
وتقوم السيدة أم ماجد، النازحة من ريف حمص، بالتحضير لمونة الكشك في المخيم، وتشرح لنا طريقة طبخه، بالقول: “الكشك يسدّ عن وجبة الغداء والإفطار وأغلب العوائل الذين لا يوجد لديهم دخل يعتمدون عليه كوجبة أساسية في الشتاء”.
وتضيف: “تتفنن النساء بطهي الكشك؛ فهناك من يضع اللحمة معه، ويسمى كشك بلحمة، أو كشك ثرود، إذ يقومون بثرد الخبز أو الخبز اليابس وطهيه وتقديمة كوجبة غداء”.
وتوضح أنّ “معظم السكان، يقومون بطهيه على الطريقة التقليدية، حيث يُحمس البصل وينتشل من الوعاء، ومن ثم يحمس الكشك ويوضع الماء حسب التقدير ليصبح (شوربة) ويأكل ساخنًا، ويزين طبق الكشك بالبصل المقلي”.
وبالنظر إلى توفر الألبان في السوق وانخفاض أسعارها عن الأعوام السابقة؛ فقد سارع معظم الأهالي إلى صنع مونة تعتمد في أساسها على “اللبن” كـ “اللبنة”، و”الكشك”، و”الشنكليش”، وغيرها.
إقبال كبير على “مونة الألبان”
أبو فهد، صاحب محل في سوق الركبان، يقول لـ “حصار”: “هناك إقبال كبير من الأهالي على تجهيز المونة الشتوية التي تعتمد على اللبن؛ بسبب وفرة المادة في الاسواق”.
ويوضح أنّ “عدم هطول الأمطار في العام الماضي؛ أدى لارتفاع الأسعار..لم يستطع أحد تحضير المونة الشتوية، لكن مع تغير المناخ في العام الحالي، وانخفاض الأسعار، أقبل الأهالي على شراء الألبان، لتحضير المونة الشتوية، والمأكولات الآنية”.
وقارن أبو ماجد بين الأسعار في العام الجاري ومثيلتها في العام الماضي، إذ تجاوز سعر كيلو اللبن في العام االماضي 15000 ألف ليرة، فيما يتراوح سعره في العام الحالي ما بين 4000 و 5000 ليرة”.
يحتاج تحضير كيلو الكشك الواحد، بحسب أبو ماجد، إلى نحو أربعة كيلوات من اللبن وكيلو طحين؛ ما يعني أن تكلفته تصل إلى نحو 27 ألف ليرة فقط، في حال تم تحضيره منزليًا، فيما تبلغ قيمته في الأسواق نحو 35 ألف ليرة سورية.
ويبلغ متوسط احتياج الأسرة المؤلفة من 5 أشخاص إلى نحو 2 كيلو من الكشك، من أجل “مونة” الشتاء، فيما يستبدل البعض من الأهالي وجبات الغداء اليومية بـ “الكشك”، من أجل توفير التكلفة المادية، إذ يبلغ المعدل الوسطي لوجبة الغداء نحو 50 ألف ليرة سورية.
وتسهم عملية تحضر “المونة” في التخفيف من أعباء المعيشة على أهالي المخيم، إذ يعاني جلّهم من قلة فرص العمل، التي تصل إلى حدّ الندرة في معظم الأحيان.