أصدر “الأرشيف السوري” تقريرًا يحتوي على نتائج ومنهجية قاعدة بيانات للمواد الّتي وثقت هجوم النظام السوري بالسلاح الكيماوي على الغوطة في 21 آب 2013، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بمناسبة ذكراها العاشرة.
وذكر التقرير أنّ أكثر من 1400 شخص قتلوا، من بينهم مئات الأطفال، وأُصيب آخرون في هذا الهجوم بينما لا يزال الناجون يعانون من عواقب طويلة الأمد.
واستعرض التقرير اللقطات الأولى للهجوم، الموثّقة في قاعدة بيانات الأرشيف، والمؤرّخة في 21 أغسطس 2013 الساعة 03:50 صباحًا بتوقيت دمشق، أشخاصًا يبدو أنّهم ضحايا تسمّموا بمادة سامّة، وما تبعها “كان عددًا لم يسبق له مثيل من مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي من مئات المصادر المختلفة”.
ووفقاً لتقرير قاعدة بيانات “الأرشيف السوري” فإنّ “هذا الهجوم، بـ 564 مادة مرتبطة، الأكثر توثيقًا على وسائل التواصل الاجتماعي، منذ بدء الصراع السوري في عام 2011”.
وتابع “وثّق هذا الهجوم بنحو ثلاثة أضعاف عدد المواد مفتوحة المصدر الّتي تم التحقق منها مقارنة بثاني أكثر حادثة توثيقًا في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وهي الهجوم بغاز السارين في 4 نيسان / أبريل 2017 على خان شيخون”
وصنّف التقرير المواد التي وثقت الهجوم، موضحًا أنّ “327 مادة توثّق مؤشرًا واحدًا على الأقل للمواد الكيميائية السامّة، بما في ذلك الحيوانات النافقة دون إصابات جسدية واضحة وغازات أو غبار متغيّر اللون”، وأنّ “56 مادة توثّق قوّات عسكرية أو أمنية أو مسلّحة”، فيما “38 مادة توثّق مواقع سقوط الصواريخ”.
وأضاف: “هناك أيضًا 35 مادة توثّق ما يبدو أنّه بقايا أسلحة كيميائية، وأنّ 6 منها على الأقل تظهر علامات عن شركة مصنّعة ما”، وأنّ “7 مواد توثّق مركبات مسلّحة وأنظمة أسلحة مستخدمة من نوع ما”، فيما هناك “7 مواد توثّق إطلاق ذخائر يُزعم أنها مرتبطة بالهجوم، و4 مواد أخرى توثّق لحظة الهجوم”.
وبيّن التقرير أنّ من الأهداف الرّئيسية لهذا المشروع التّوثيقي، هو “تسجيل جميع المعلومات التي تشير إلى استخدام أسلحة كيميائية وفقًا لأبحاثنا ومشاوراتنا مع الخبراء بشأن المواد الكيميائية السامّة واستخدامها كأسلحة”، وأنّ “غالبية مؤشّرات التعرّض لمواد كيميائية في قاعدة البيانات عبارة عن أعراض طبّية، أو سلوكيات متوقّعة من أشخاص يعانون من أعراض طبّية محدّدة”.
أحصى فريق “الأرشيف السوري” في تقريره الأعراض الجسدية التي أظهرتها المواد التّوثيقية للهجوم وعدد المرّات الّتي تمت ملاحظتها في تلك التّوثيقات، والتي من بينها: “تغيّر لون الجلد 176، علاج بالأوكسجين 138، التشنّجات 135، زبد من الفم 100، غسل الجلد والملابس بالماء 92، مشاكل تنفّسيّة 87، حدقة دبّوسيّة 41، هلوسة 19، حكّة أو حرق في الجسم 3”.
كما حلّل التقرير المواد مفتوحة المصدر لمجموعة بيانات هجوم الغوطة بغاز السارين، والّتي “أظهرت المرافق الطبّية 214 مرة، أماكن تجميع الجثث 160 مرّة، والمقابر 28 مرّة”، فيما وُثّق ” 224 مادة تقديم إسعافات أولية ورعاية طبّية للضحايا”.
وكانت منظّمة (هيومن رايتس وتش)، ذكرت في تقرير صدر عنها في 10 أيلول/ سبتمبر 2013 أنّها توصّلت من خلال التحقيق إلى أنّه من ” المرجّح أنّ هجمات 21 أغسطس/آب قد تمّت بأسلحة كيماوية، باستخدام نظام صواريخ 330 ملم أرض أرض، يُرجّح أن يكون إنتاجاً سوريّا، ونظام صواريخ 140 ملم من الحقبة السوفيتية، وأنّ الصواريخ المذكورة استخدمت في توصيل غاز الأعصاب”، مرجّحةً أن يكون الغاز المستخدم في الهجوم هو غاز السارين أو غاز الأعصاب.
يأمل القائمون على البحث في “الأرشيف السوّري” أنّ تكون قاعدة البيانات التّوثيقة التي أعدّها وأرشفها لهجوم الغوطة، مقدّمة لتفعيل آلية المحاسبة والمساءلة في الأمم المتّحدة ومجلس الأمن والهيئات الدّولية والحقوقيّة ذات الصّلة والمعنية بملاحقة مرتكبي الجرائم في الصراعات المسلّحة والحروب.
ووثّقت هيئات ومنظّمات حقوقيّة استخدام الأسد للسّلاح الكيماوي نحو 183 مرّة، بعد زعمه تسليمه، على خلفية استخدامه في ارتكاب مجزرة الغوطة، كما أدين من قبل لجنة أمميّة خاصّة بقتل نحو 44 مدنيًّا في مدينة دوما بريف دمشق عام 2018 بهجمات بغازي الكلور والسّارين على المدينة.
منظّمات دوليّة -بينها منظّمة حظر الأسلحة الكيميائية- أعلنت مسؤوليّة النّظام السّوري عن هجمات عدّة بالأسلحة الكيميائية، بعد تحقيقات استمرّت لسنوات، إلا أنّ نظام الأسد نفى ذلك باستمرار، بالتزامن مع عرقلة روسيا لعدّة مشاريع قرارات في مجلس الأمن واستخدامها حقّ النقض (الفيتو) لمنع محاسبة الأسد.
وفي الذّكرى العاشرة للمجزرة، دعت الشّبكة السّورية لحقوق الإنسان، مجلس الأمن والأمم المتحدة إلى فرض عقوبات اقتصاديّة وسياسيّة وعسكريّة على النظام السّوري كشكل من أشكال التعويض المعنوي لأسر الضّحايا وملاحقة المسؤولين عن الهجمات الكيميائية.
وطالبت الشبكة بإحالة الملف السّوري إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة ومحاسبة جميع المتورّطين، أو إنشاء محكمة جنائيّة خاصّة بمرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة بحقّ الشعب السّوري، ووقف مسار الإفلات من العقاب المستمرّ منذ أكثر من عقد من الزّمن.