![](https://hesar.net/wp-content/uploads/2023/09/وكالات-1024x614.jpg)
“اضطررت للعمل في تنظيف البيوت، وبأجور زهيدة لا تتجاوز 20 ليرة تركية في اليوم؛ من أجل إعالة أطفالي الثلاثة الأيتام”، بهذه الكلمات وصفت السيدة أم محمد، التي تقطن مخيم الكرامة في الشمال السوري حالتها إثر تعليق وصول المساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي، وعدم تلقيها أيّ سلة مساعدات غذائية منذ نحو ثلاثة أشهر.
وكان مجلس الأمن الدولي قد فشل في 12 تموز الماضي، في تمرير قرارين متناقضين لإعادة تفويض عبور مساعدات الأمم المتحدة من تركيا إلى شمال غربي سوريا، الذي تسيطر عليه المعارضة السورية؛ بسبب استخدام روسيا حق الفيتو ضد مشروع قرار يسمح بمرور المساعدة لمدة 9 أشهر، ومن ثم فشلت روسيا في تمرير قرار موازٍ يسمح بدخول المساعدات عبر الحدود لمدة 6 أشهر بشروط.
لا مساعدات أممية من معبر باب الهوى
مازن علوش، مدير المكتب الإعلامي في معبر باب الهوى الحدودي، قال لـ “حصار” إنّ قوافل المساعدات الأممية لم تدخل عبر معبر باب الهوى الحدودي منذ 9 حزيران/ يونيو الماضي، وأنّ “لا وعود حقيقية تلوح في الأفق بشأن انفراجات قريبة بهذا الشأن”.
وأوضح “علوش” إلى أنّ حجم المساعدات التي دخلت خلال التفويض نصف السنوي السابق، بلغ نحو 3060 شاحنة، تحمل مساعدات غذائية وطبية ولوجستية.
ورغم إعلان النظام السوري في تموز/ يوليو موافقته على تمديد التفويض للأمم المتحدة ووكالاتها في الشمال على دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي، إلا أنّ أيّ بوادر لتطبيق عملي لموافقة النظام لم تظهر على الأرض سواء عبر المعبر الحدودي أو عبر خطوط التماس الفاصلة بين المعارضة السورية والنظام.
وعبّر عدد كبير من سكان الشمال السوري في مظاهرات عن رفضهم لدخول المساعدات بتفويض من النظام، وهو ما قوبل أيضًا برفض من حكومة الإنقاذ التي تسيطر على معبر باب الهوى الحدودي والتي رفضت إدخال المساعدات بتفويض من النظام، وطالبت بعودة الملف الإغاثي إلى أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن من جديد.
مطالب بإعادة إمداد الشمال السوري بـ “قوافل الحياة”
عشرات المنظمات الإنسانية والشبكات الحقوقية السورية دعت في بيان مشترك صدر عنها في 30 آب/ أغسطس الماضي المجتمع الدولي إلى القيام بمسؤولياته وإعادة إمداد ما وصفها بـ “قوافل الحياة” لأكثر من 4,5 مليون سوري في الشمال.
اعتبرت المنظمات في بيانها أنّ “الاتفاق الأخير بين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيثو والنظام السوري بشأن المساعدات الأممية عبر الحدود سيؤدي إلى آثار كارثية على العمليات الإنسانية في شمال غرب سوريا”، وأنّ “حصر وصول المساعدات بموافقة النظام سيجعلها تحت تهديد مستمر بإيقافها”.
وبينت أنّ الاتفاق الأخير مع النظام السوري يتجاهل السبب الرئيسي لقرار مجلس الأمن 2139 لعام 2014؛ الذي سمح للأمم المتحدة ووكالاتها بتنفيذ العمليات الإنسانية عبر الحدود؛ لضمان وصولها إلى جميع السوريين بما فيهم المحاصرين من قبل النظام السوري، والذي لا يزال يمنع وصول المساعدات إلى مخيم الركبان ويحاصر نازحيه كما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تطبيق القرار 2672.
وطالب البيان المجتمع الدولي بالوفاء بالتزاماته تجاه السوريين وعدم جعل الملف الإنساني مجالًا للابتزاز السياسي، مشدّدًا على أهمية أن تكون مطالب وتحفظات المجتمعات المحلية أساسًا في الاستجابة الانسانية لسكان شمال سوريا، وأهمية استمرار المانحين في العمل على أجندة تمكين العمل الإنساني محليًا aid of Localization في سوريا بكافة مساراته بما يضمن زيادة توجيه التمويل المباشر للمنظمات الإنسانية المحلية.
ما قبل الكارثة
حذّرت مصادر تعمل في منظمات إغاثية من حدوث “كارثة إنسانية” على جميع الأصعدة في الشمال السوري، وأنّ ما يجري الآن هو اعتماد وكالات منظمة الأمم المتحدة على المخزون الاستراتيجي؛ الذي ربّما ينفد خلال الأسابيع القليلة القادمة، وينتقل الشمال من مرحلة شح الدعم إلى انقطاعه بشكلّ كامل.
وتقول إنّ “إيقاف دخول المساعدات يعني إيقاف عمل وكالات الأمم المتحدة في الداخل، إذ توزع wfp بعد تخفيض الدعم نحو150 ألف سلة إغاثية شهريًا، إضافة إلى المساعدات التي تأتي من منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف وغيرها من المنظمات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة”.
تقليص نسبة المستفيدين من السلة الإغاثية إلى النصف
ولا يقتصر تعليق دخول المساعدات على السلل الغذائية وإن كانت ذات أهمية كبرى لآلاف العوائل النازحة في الشمال، بل يمتد ليشمل مختلف النواحي الخدمية من (صحة، تعليم، إيواء..)، وهو ما يعلّق عليه مصدر في منظمة شريكة لبرنامج wfp في الداخل السوري، إذ يرى أنّ هناك ارتباطًا وثيقًا بين عمل المعبر وعمل المنظمات والجمعيات الخيرية في الشمال السوري.
ويقول لـ “حصار” إنّ “تأثير إغلاق المعبر ينعكس سلبًا على قطاعات مختلفة، لعلّ أهمها السلال الغذائية، كما يشمل الإيواء وقطاع النظافة والقطاع الصحي”، وإنّ “توقف السلال الغذائية عن الدخول سوف ينعكس سلبًا على توفر المواد الأساسية التي تتكون منها السلة؛ وهو ما سيخلق اضطرابات في دوران العجلة الإقتصادية بالمنطقة”.
ويلفت إلى أنّ تقليص الدعم أدى إلى تقليص حجم السلة الإغاثية منذ بداية العام إلى نحو النصف تقريبًا، إذ أصبح وزنها 36 كيلو غراماً، وتوزع كل شهرين، عوضًا عن كلّ شهر، إضافة إلى خفض عدد المستفيدين منها إلى النصف.
وأشار إلى أنّ تعليق الدعم سينعكس على توفر المادة الأساسية للعيش في الشمال السوري، وهي الطحين، التي تسدّ احتياجات آلاف الأسر من معدومي الدخل بمادة الخبز، إضافة إلى آثاره الكارثية على القطاع الطبي، وما يوفره من خدمات صحية لملايين السكان.
ارتفاع نسب معدلات الفقر والجوع في الشمال السوري
وكان تقرير نشره فريق “منسقو استجابة سوريا” أشار إلى ارتفاع حدّ الفقر إلى مستويات جديدة بنسبة 1,12%، ما يرفع نسبة العائلات الواقعة تحته إلى 90,93٪ وأنّ هناك زيادة أيضًا في نسب الجوع بنسبة 0,37%، وهو ما يرفع حد الجوع إلى نحو 40,67%.
وربط التقرير المشكلات السابقة إضافة إلى ارتفاع نسب البطالة وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين في الشمال، وغيرها بتوقف دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى الداخل السوري، محذرًا من أنّ عدم التوصل إلى حلول دولية لإعادة تفعيل دخول المساعدات سيسهم في زيادة المعدلات الحالية إلى مستويات جديدة.
الدعم الأممي مستمر لمناطق نفوذ “الحكومة المؤقتة”
فيما لم يتوقف دخول المساعدات الأممية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية المؤقتة، بموجب تفويض مُنح من النظام السوري للأمم المتحدة بإدخال المساعدات عبر معبري الراعي وباب السلامة.
ويقول ياسر الحجي، مدير العلاقات الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة لـ “حصار” إنّ “التعاون مع الأمم المتحدة لم ينقطع، وهو ما انعكس إيجاباً على صعيد دخول المساعدات المادية والعينية خلال الأشهر الماضية إلى المناطق التابعة لنا”، وأنّ “انسيابية دخول المساعدات لم تشهد أيّ خرق أمني يذكر”.
وأشار الحجي إلى أنّ استمرار تدفق المساعدات إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية المؤقتة يسهم في استمرار دوران العجلة الاقتصادية وينعكس ايجابًا على السكان.
وبيّن المسؤول في الحكومة السورية المؤقتة أنّ “التفويض الممنوح بدخول المساعدات الأممية من معبري الراعي وباب السلامة سيمتد إلى تاريخ 13 تشرين الثاني المقبل”، وأنّ “تمديد التفويض مرهون بالتغيرات السياسية المحلية والدولية”.