نزحت أم عبود وعائلتها إلى مخيم الركبان منذ ثمان سنوات، لتبدأ قصة كفاحها في البحث عن مصدر رزق تعين من خلاله زوجها المريض وأطفالها الثلاثة، فهي معلمة موسيقا، وقد مارست هذه المهنة لنحو 11 عامًا قبل نزوحها إلى المخيم.
عملت أم عبود في البداية كـ “متطوعة” في تدريس الموسيقا لطلاب المخيم، لكن غياب الدعم عن المدارس سواء بالآلات الموسيقية أو رواتب للمعلمين، دفعها للبحث عن مصدر رزق بديل، وقد وجدت ضالتها في الخياطة.
تقول أم عبود “كنت أملك فكرة عن آلية العمل على ماكينة الخياطة، ولذلك قررت أن أكمل في هذا المجال”، ولتعزيز خبرتها تلقت تدريباً على يد (خياطة) محترفة تقيم في الحي ذاته الذي تسكن فيه بالمخيم.
“بعد أن تعلمت المهنة، بدأت أفكر بشراء آلة خياطة، لكنني لم أكن أملك ثمنها، فلذلك استدنت مبلغ 300000 ليرة من أحد أقاربي، واقتنيت الماكينة”.
بدأت “ام عبود” مشروعها بإعادة تدوير الملابس المستعملة للجيران والأقارب؛ في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يقاسيها سكان المخيم، تقول: “كنت أضطر للعمل لساعات طويلة؛ من أجل تطبيق قطعة جيدة من عدة قطع بالية ليرتديها طفل في شتاء المخيم”.
وتضيف: “الأجور التي أتقاضاها، كانت زهيدة للغاية، لا تتجاوز 50 ليرة للقطعة الصغيرة، و100 ليرة للقطعة الكبيرة”، وأنّ “هذه الأجور كانت تسدّ جزءًا بسيطًا من الاحتياجات الأساسية للمنزل”.
زادت وتيرة عمل “أم عبود” في الخياطة بعد تسلم سكان المخيم مساعدات إنسانية عام 2019، إذ كان من بين تلك المساعدات ملابس وشراشف، وهي مواد كانت تستخدمها في صناعة ملابس أطفال حديثي الولادة من (حبل السرة) إلى (الملفة).
عرضت السيدة منتجاتها عبر (مانيكان) صنعته مما توفره البيئة المحلية من أدوات، إذ وضعت قطعة خشبية في وعاء الزيت الفارغ، وثبتته بالتراب، فيما وضعت فوق القسم الأعلى منه قطعة قماش، ليأخذ شكل (مانيكان) للعرض
تطور عمل أم عبود في الخياطة، إثر لجوء سكان مخيم الركبان إلى بناء المنازل الطينية، واستخدام الاسمنت في فرش أرضيتها، إذ بدأت الحاجة ملحة للعائلات إلى خياطة (المجالس)، وهو ما فتح لـ أم عبود باباً جديدًا للعمل، عبر خياطة أغطية قماشية لها، مع وسائد خاصة، وبكلفة تقريبية وصلت إلى نحو 5000 ليرة للقطعة الواحدة.
توفر أم عبود المستلزمات الأولية لآلة الخياطة، إضافة إلى الأقمشة والخيوط من مناطق سيطرة النظام، إذ يبلغ ثمن الخيوط نحو 25 ألف ليرة، فيما تتراوح أسعار الكلف ما بين 20 إلى 65 ألف ليرة للمتر الواحد، ويتراوح سعر إبرة الخياطة ما بين 15 إلى ٢٥ ألف ليرة، فيما يتراوح ثمن متر القماش ما بين 250 إلى ٣٠٠ ألف ليرة سورية.
تخيط السيدة أم محمد ملابسها لدى أم عبود، تقول: “أخيط ملابسي وملابس أطفالي لدى (أم عبود) منذ ست سنوات، ساعدتني كثيرًا في توفير ألبسة ملائمة لأطفالي الأربعة من ذكور وإناث.. لديها ذوق جميل في تفصيل الملابس وتضع لمساتها الخاصة على القطعة”.
وفي ختام حديثها لـ حصار تحاول السيدة معلمة الموسيقا دمج ما تعلمته وعلمته للأطفال من موسيقا وما بين صوت آلة الخياطة بالقول: “كلاهما فن. كلاهما يرسم الضحكة على وجوه الأطفال. سأبقى مخلصة للعملين في المخيم، وآمل أن أساعد فتيات المخيم في تعلم فن التفصيل والخياطة؛ من أجل المساهمة في مساعدة أهلهن وأسرهن في تأمين المستلزمات الأساسية للمنزل”.