مخاوف من إحكام قبضة “الأسد” على أملاك السوريين

خاص

أثار إقرار مجلس الشعب التابع للنظام السوري قانون استثمار الأملاك المصادرة، ردات فعل غاضبة من قبل عدد من المهجرين السوريين الذين رؤوا في القانون خطوة لاستكمال سرقة النظام لأملاكهم.

مخاوف من شرعنة السرقة 

وقال أبو محمد داريا، وهو مهجر من مدينة داريا بريف دمشق لـ “حصار” إنّ “القانون؛ يهدف للاستيلاء على أملاكنا بطريقة شرعية”، وإنّ “إقرار مجلس الشعب للقانون الأخير؛ يأتي في إطار شرعنة سرقة أموال السوريين من قبل نظام الأسد”.

وأشار أبو محمد إلى أنّ “الميلشيات التابعة للنظام في مدينة  داريا سطت على منزله؛ ومنعت أقاربي من التصرف به، أو بيعه؛ بذريعة أنني تبعيتي لمجموعة معارضة مسلحة”.

ورغم نفي “أبو محمد” تبعيته لأيّ فصيل مسلح خلال الفترة التي سيطرة الفصائل على مدينة داريا، إلا أنه أشار إلى أنّ “نظام الأسد يعتبر كل من تهجّر من مدينة داريا إلى الشمال السوري إرهابياً؛ وبالتالي يسمح لنفسه بالسيطرة على أملاكه”.

إلى ذلك، وصف عبد الرزاق محمد، القانون الجديد بـ “السرقة المبرمة”، وقال عبد الرزاق، المهجر من حي صلاح الدين في حلب لـ “حصار” إنّ “مسلحاً موالياً للنظام استولى على منزلي في حي صلاح الدين الواقع بالقرب من مدرسة القنيطرة منذ عام 2015″، وأنّ “جميع محاولات إخراجه من المنزل باءت بالفشل؛ بحجة أنني إرهابي”.

وأوضح عبد الرزاق أنه حاول مراراً وتكراراً استرجاع منزله من “الشبيح” سواءً عبر اللجوء لقضاء النظام أو عبر وساطات “تشبيحية”؛ لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل؛ رغم إثبات المحامي لتزوير “الشبيح” لعقد البيع، لكن تذرّع “الشبيح” في أنّ المنزل عائد لمعارض للنظام حال دون إخراجه من المنزل.

قانون إدارة واستثمار الأملاك المصادرة

وكان مجلس الشعب التابع للنظام أقرّ بالأكثرية  القانون المتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم، وأصبح قانوناً، على أنّ تتولى وزارة المالية بموجبه إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المذكورة عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، وتكون إدارتها واستثمارها لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.

يسمح القانون لرئيس مجلس الوزراء تخصيص جزء من الأموال المذكورة لأي من الجهات العامة بناء على طلب من الوزير المختص، ويصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والزراعة والإصلاح الزراعي نظام خاص يتضمن قواعد إدارة واستثمار ونقل ملكية وتخصيص هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة.

وزير المالية في حكومة النظام قال إنّ القانون؛ يهدف إلى ضمان تحقيق المنفعة العامة والمساهمة في تأمين احتياجات سير المرافق العامة للدولة، وبما يضمن وحدة تبعية الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم وعدم تشتت إدارتها واستثمارها بين أكثر من جهة عامة ونقل ملكيتها أو تخصيصها للجهات العامة وفقاً لضوابط محددة”.

المصادرة لن تكون إلا بحكم قضائي مبرم

إلى ذلك، قلّلت المحامية زهراء عمر من أن يكون  القانون الجديد بنصه الحالي يستهدف معارضي النظام السوري، وقالت لـ “حصار” إنّ “القانون الجديد؛ يشمل من صدّرت بحقهم أحكاماً مبرمة، وفي القانون السوري لا يمكن أن تصدر أحكام مبرمة غيابياً”.

وأشارت إلى أنّ  القانون يستهدف “أشخاصاً تم إيداعهم في الحبس بموجب أحكام قطعية، أو ماتوا في الحبس، أو انتهت محكوميتهم وخرجوا من الحبس؛ لكن صدرت بحقهم أحكام قضائية مبرمة”.

مخاوف من ثغرات تنظيمية

لكن في الوقت ذاته، أبدّت مخاوفها من القوانين الناظمة والتعليمات التنفيذية للقانون، وبالتالي، بحسب رأيها، المخاوف الحقيقة في أن تصبح هناك أحكام مبرمة بحق المعارضين غيابياً؛ بموجب مراسيم وقوانين جديدة قد تصدر عن نظام الأسد.

وأبدّت زهراء قلقها من أن تقوم السلطات المحلية في الشمال السوري (الخارج عن سيطرة النظام) بتطبيق قانون المعاملة بالمثل؛ وتصادر ممتلكات كل من تتهمهم بالولاء للنظام أو العمل في مؤسساته الحكومية.

بدوره، قال المحامي فواز حمام إنّ “الدستور لا يُجيز مصادرة واستملاك الأملاك الخاصة إلا بقانون مع التعويض العادل، منها قانون التطوير العقاري لعام 2008 ، حيث أجاز استملاك الأملاك الخاصة لصالح التطوير العقاري لكن بشرط اعطاء أصحاب العقارات المستملكة بنسبة 40%  لكن بعد اندلاع الثورة السورية، خرج النظام بعدة قوانين تجرم معارضيه، وأجاز مصادرة أملاكهم”، وإنّ هناك “قوانين أضيفت كـ التخلف عن الخدمة العسكرية و خاصة أن معظم الشباب السوريين هاجر الى خارج البلد حيث يصادر ما قيمته 8000 دولار”.

حزمة قوانين لاستباحة أملاك السوريين

وأضاف: “مؤخراً، عدّلت قوانين التطوير العقاري حيث أتاح تنظيم المناطق المدمرة وإعادة إعمارها مع منح فرصة ضئيلة جداً للاعتراض و إثبات الملكية لأصحاب العقارات الواقعة ضمن هذا المخطط، وبناءً عليه نصحنا (كمحامين) المهجرين في الخارج بتنظيم وكالات لمحامين أو أقارب لهم للاعتراض و تثبيت حقوقهم”.

وأوضح حمام أنّ “التوصيات التي خرج بها المحامون، لم تتناسب مع مخطط الاستيلاء من قبل النظام على أملاك السوريين؛ إذ سرعان ما أصدر قراراً تنظيمياً؛ فرض من خلاله خضوع كلّ وكالة منظمة في الخارج لموافقة أمنية؛ وهو ما يعدّ مخالفة صريحة وواضحة للقانون”.

ووصف المحامي حمام القانون الحالي بـ “غير الشرعي”، موضحاً أنّ “القانون يتضمن مخالفة دستورية من ناحية عدم اجازة مصادرة أملاك المواطنين إلا بتعويض عادل”، وأنه “صدر عن مجلس شعب لا يمثل أغلبية السوريين”، وأنه ” لا يمكن تنفيذه بموجب فقراته نفسها التى تشترط أن تكون المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم و المهجر المتهم بالارهاب مثلا يصدر الحكم من محكمة الإرهاب بحقه حكماً غيابياً غير مبرم و بمجرد تسليم نفسه أو القبض عليه يلغى الحكم وتعاد محاكمته”.

 وختم حمام حديثه لـ “حصار”، بالقول: إنّ “القرار غير مبرم و حتى لو أعيدت محاكمة المتهم؛ فإنّ جميع قوانين العفو السابقة الصادرة خلال الأعوام السابقة يمكن ان تطبق بشكل أو بآخر؛ و بهذا لا يمكن بشكل فعلي أن يطبق القانون المشار إليه لا إبتداءً كون الحكم غير مبرم و لا انتهاءً بحكم وجود قوانين عفو عام”.

مجلس حرب النظام 

وفي السياق ذاته، نشرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرا تحليلاً للقانون، ذكرت من خلاله أن “مجلس الشعب” غير شرعي وأداة بيد النظام السوري يشرعن من خلالها قوانين تنتهك حقوق المواطن السوري وتنهب أمواله.

ووصفت مجلس الشعب بأنه “أشبه ما يكون بمجلس حرب لصالح دعم النظام السوري”، خاصة أنه لم يوجه أي نقد أو مساءلة للأسد على مدى كل سنوات حكمه، وبشكل خاص بعد عام 2011.

وأوضحت الشبكة الحقوقية في تقريرها أن “القانون الجديد جاء وفق استراتيجية وسياسة مدروسة، عمِل النظام السوري على ترسيخها وتوسيعها منذ مارس 2011، عبر عمليات مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لشرائح واسعة من الشعب السوري”.

وطالت المصادرة في المقدمة المعتقلين تعسفياً والمختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز ومئات الآلاف من المطلوبين والملاحقين من المشردين قسرياً، وحتى “تتوجت بتنظيم إدارة الاستفادة والاستثمار من هذه المصادرات عبر استصدار قانون خاص بها”.

أثر رجعي للقانون الجديد

وبحسب التقرير التحليلي فإن أحكام القانون ستطبق بأثر رجعي على الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم سواء صدر الحكم قبل نفاذ هذا القانون أم بعده.

وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان توجد إمكانية لاكتساب قرارات الحجز الاحتياطي التي صدرت عن وزير المالية صفة القرار القضائي؛ بسبب عدم تمكن الغالبية العظمى ممن شملتهم هذه القرارات من سلك الطرق القانونية لإزالة الحجز وانتهاء مدة الطعن المحددة بثمانية أيام فقط من تنفيذ الحكم بالحجز في معظم هذه القرارات التي صدرت طوال السنوات السابقة فإنها ستؤول لتكون أحكام قضائية مبرمة.

من هم المشمولين بالقانون الجديد؟

ووثّق تقرير الشبكة ما لا يقل عن 68 جهة تنفيذية وقضائية أصدرت قرارات توزعت بين قرارات خاصة في تجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة، إضافة إلى قرارات حجز تنفيذي، قرارات حجز احتياطي، قرارات منع التصرف، وقرارات في وضع إشارة حجز وتجريد، مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة.

وما زال قرابة 135638 ألف مواطن سوري قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات الأسد منذ مارس 2011 وحتى أغسطس 2023.

وأحيل جزء منهم إلى المحاكم الاستثنائية، وصدرت بحقهم أحكام بمصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، ومعظمها كانت أحكام مضافة لعقوبتهم الأصلية بالسجن أو الإعدام.

الشبكة الحقوقية تعتقد أن نظام الأسد قد أصدر أحكاماً سريةً ضد الغالبية العظمى الآخرين، ولذلك فإن المعتقلين والمختفين قسرياً عامةً هم من أوائل الضحايا الذين سيجردهم القانون الجديد.