تغيب الخدمات عن الأحياء الشّرقيّة في مدينة حلب، بعد سبع سنوات من إعلان النّظام السّوري وحلفائه السّيطرة على تلك الأحياء، وتهجير ما يقرب من 50 ألفاً من سكّانها إلى الشّمال السّوري.
لا ماء ولا كهرباء
ذكرت مصادر محليّة في المدينة لـ “حصار” أنّ “المدينة تفتقد إلى معظم الخدمات من ماء وكهرباء وصحّة وتعليم”، وأنّ أجزاءً كبيرة من تلك الأحياء بقيت كما تركها سكّانها قبل سبع سنوات فلا المدارس رُمّمت ولا الشوارع أُزيل منها الرّكام.
علي أبو عثمان من سكّان حيّ الفردوس، قال لـ “حصار”: إنّ “المياه والكهرباء، غائبتان بشكل شبه كامل، إذ يعتمد الأهالي على مياه الآبار في كثير من الأحيان، بعد أن وصل تقنين المياه لساعتي وصل في اليوم الواحد”.
وأشار إلى اعتماد الأهالي على “كهرباء المولّدات الصناعيّة، إذ يتراوح سعر الأمبير الواحد ما بين 50 إلى 75 ألف ليرة (أسبوعياً)، بحسب ساعات التشغيل التي تتراوح ما بين 6 إلى 8 ساعات”.
المشافي لاتزال مدمّرة
وينطبق واقع حال الخدمات في حيّ الفردوس على الأحياء الشّرقيّة الأخرى، فيما لا يبدو أنّ الواقع الصحي أفضل في معظم أحياء المدينة الشرقيّة، إذ يضطّر المرضى للذهاب إلى الأحياء الغربيّة من المدينة للعلاج، فيما يقتصر تقديم الخدمات الطبيّة في هذه الأحياء على بعض المستوصفات.
وتقول مصادر محليّة في المدينة لـ “حصار” إنّ “مشافي (العيون، والأطفال في حي قاضي عسكر، الزرزور في حيّ الأنصاري الشّرقي، والقدس في حيّ المشهد)، لا تزال مدمّرة وخارج الخدمة، حتّى الآن، بسبب القصف الذي تعرّضت له من قبل النّظام وروسيا خلال سيطرة فصائل المعارضة على تلك الأحياء”.
المدارس يسودها الرّكام
ولا تبدو المدارس أفضل حالاً من سابقاتها، حيث لا تزال المدارس مدمّرة في أحياء الفردوس والسكّري، وتقول منيرة أم محمود من سكان حيّ السكّري لـ “حصار” إنّ “العديد من الأطفال يجدون صعوبة في الوصول إلى المدارس التي رمّمتها منظّمة الأمم المّحدة في الأحياء المجاورة”.
فيما لا يزال الرّكام يسدّ جلّ الطرقات الفرعيّة في أحياء (صلاح الدّين، الفردوس، المشهد، الشعّار، الميسّر، القاطرجي)، وسط تقاعس مجلس المحافظة عن القيام بمهامه.
لا إعمار للأحياء الشرقيّة من حلب
ولا تبدو أنّ فكرة إعادة إعمار الأحياء الشرقيّة من المدينة واردة، وهو ما يؤكّده مسؤول البلديات في مجلس محافظة حلب التابع للنّظام السّوري د.عبد القادر دواليبي، الذي يقول في حوار تلفزيوني مع الفضائيّة السّورية إنّ “إعادة إعمار أحياء المخالفات (الأحياء الشرقية) غير وارد”.
ويضيف: “هناك خطوات توسيع المخطّط التّنظيمي، واستكمال المشاريع السكنيّة التي كانت قبل الحرب، كالسّكن الشبابي في حيّ العصرونيّة، ومساكن حيّ الحيدريّة”.
وكان معد مدلجي، رئيس مجلس مدينة حلب أكّد في تصريحات سابقة أنّه من الممكن تخصيص 10 آلاف شقة في منطقة التطوير العقاري في حي الحيدريّة للمتضرّرين من زلزال شباط ومن “الأعمال الإرهابية”.
كما ذكر في حديث مع الوكالة الألمانيّة للأنباء أنّه “لاجدوى من إعادة تأهيل الأحياء الشرقيّة؛ بسبب افتقارها للبنية التحتيّة، وأنّ العمل يجري على مشاريع سكنيّة في غرب المدينة، تنتظر التمويل الملائم للمباشرة بها”.
ذكريات على وقع التهجير
تعود الذاكرة بالمهجّرين من مدينة حلب إلى يوم الخامس عشر من كانون/ ديسمبر 2016، حيث استفاقوا على وقع صدمة التّهجير، إثر محاصرة قوّات النّظام لحيّ صلاح الدّين، آخر معاقل فصائل المعارضة في المدينة.
كان أشبه بيوم القيامة
بيبرس مشعل، مدير الدفاع المدني بمدينة حلب وصف ذاك اليوم بـ “المشؤوم”، وشبّهه بـ “يوم القيامة”، وقال لـ “حصار”: “لقد تلقّينا بلاغاً في تمام السّاعة 6,15 صباحاً، من أجل فتح الطّرقات لضمان عبور سيّارات الإسعاف والحافلات لنقل المصابين”.
وأضاف: “النّاس كانت هائمة على وجوهها..الجميع في الشّوارع..كان لدينا صعوبة بالغة في الوصول إلى فتح الطرقات وتأمين معابر الخروج؛ بسبب الإزدحام الشّديد”.
بدأ “مشعل” مع زملائه العمل على فتح الطرقات، عبر إزالة السواتر الترابيّة ب (التركس)، بالتزامن مع استهدافهم من قنّاصة النّظام، الّتي أدّت إلى إصابته مع أحد زملائه؛ حيث اضطّر للزحف على الأرض لتأمين نفسه من الطلقات الأخرى.
“مشعل” اضطّر، على وقع الإصابة، إلى الذهاب إلى المشفى، لإجراء عمل جراحي، أدّى إلى استئصال كليته، وجزء من الكبد وجزء من الأمعاء، ثم وضع في سيارة إسعاف ونقل إلى ريف حلب الغربي.
قوّات النّظام، بحسب رواية مشعل، أوقفت قافلة المهجّرين لأكثر من أربع ساعات، بحثاً عنه، لكنه في النهاية تابع رحلته مع مهجّري المدينة إلى ريف حلب ومحافظة إدلب.
واعتبر مشعل أنّ ماجرى “وصمة عار” في جبين العالم، وأنّ لحظات التّهجير تعتبر من أصعب ما يمكن أن يواجهه أي إنسان في حياته..”إنه شعور لا يوصف”.
محاولات لتغيير الوجه التاريخي لحلب
إلى ذلك، وصف ميلاد شهابي تهجير سكان مدينة حلب بـ “المؤلم للغاية”، وأنّ ما يحزّ في نفسه ليس التغيير الديموغرافي الذي حصل، وإنما انتقال النظام وحلفائه إلى تغيير وجه المدينة التاريخي من خلال العبث بالأسواق التاريخيّة ومعالم المدينة الأخرى”.
وقال لـ “حصار” إنّ “الميليشيات الإيرانيّة تحاول تغيير تاريخنا من خلال تلاعبها ببعض المعالم المتعلّقة بحلب، وأبرزها تصميم الجامع الأموي وتغيير أقواسه لتصبح شبيهة بأقواس إيوان كسرى”.
وحذّر “شهابي” من تحوّل مدينة حلب إلى “طهران الصغرى”، عبر محاولات الميلشيات الإيرانيّة في المدينة تشييع الأهالي عبر إغرائهم بالأموال، إضافة إلى استملاك العقارات بأقل الأسعار”، مؤكّداً أنّ “أحياء مدينة حلب الشرقيّة تفتقر لأدنى مقوّمات الخدمات؛ في محاولة منه لعقاب أبناء المنطقة، الّذين خرجوا ضدّه ونادوا بإسقاطه”.
وشدّد على ضرورة إحياء ذكرى التّهجير في كلّ عام، “كي لا ينسى أبناؤنا والأجيال القادمة تاريخ مدينة حلب؛ الذي يحاول النظام وحليفه الإيراني طمسه”.