ما تزال تبعات زلزال السادس من شباط الماضي تُلقي بظلالها على السّوريين في مناطق سيطرة فصائل المعارضة بريفي إدلب وحلب ومناطق سيطرة النّظام السّوري في حلب واللّاذقية وغيرها من المدن المتضرّرة.
استذكار المأساة
يستذكر الشّاب الثلاثيني خالد وهبه، المهجّر من مدينة حرستا بريف دمشق نجليه وزوجته إضافة إلى أخيه وأبنائه الخمسة وأخته وابنها، فضلاً عن أكثر من 110 أشخاص من معارفه الذين شاركوه رحلة التهجير من حرستا إلى الشّمال السّوري قبل أعوام.
بمشاعر الفقد، يصف يوم السّادس من شباط، والدموع تغالبه بـ “المأساوي”، ويؤكّد عدم قدرته على محوه من الذاكرة، إذ يعيش ذكريات ذاك اليوم المؤلم، ويستحضر كيف أخرج أبناءه وزوجته وأشقاءه (موتى) من تحت الأنقاض..”لا زلت أعيش على وقع الصدمة حتّى الآن”.
لا مشاريع لإعادة الإعمار
بلغ عدد ضحايا الزّلزال في مدينة جنديرس 1110 شخصاً، فيما دمّر الزّلزال 278 منزلاً بشكل كامل، وأسهم في تصدّع مئات أخرى، لكن ورغم مرور عام على الكارثة إلّا أنّ مستوى الاستجابة لمتضرّري الزّلزال في المدينة لم يكن كما يجب.
غابت مشاريع إعادة الإعمار عن منطقة جنديرس، واقتصرت استجابة المنظّمات على “التّعافي المبكّر” وترميم بعض الأبنية إضافة إلى عدد من المدارس والمؤسّسات الخدميّة، فيما لا يزال أكثر من ألف شخص ينتظرون دورهم في الحصول على دعم لترميم منازلهم.
إلى ذلك، أعلنت عدّة منظّمات عن مشاريع لبناء وحدات سكنيّة لمتضرّري الزّلزال، من بينها (عطاء، وطن، فريق ملهم التّطوّعي،…)، يقول محمّد صادق، مسؤول المشاريع في منظّمة وطن: إنّ “المنظّمة بالتعاون مع المفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين، أنشأت مخيّمات متكاملة في مناطق شمال غرب سوريا، شملت 2131 وحدة سكنية من نوع RHU في 14 موقعاً، إضافة إلى 300 وحدة سكنيّة مصنوعة من الألواح العازلة في مواقع رئيسيّة شمال إدلب”.
يضيف: “وفّرنا البنية التحتيّة الشاملة في تلك المناطق، بما في ذلك شبكة المياه والصّرف الصّحي والإضاءة الليليّة وتعبيد الطرق، بهدف توفير بيئة آمنة ومستدامة للنّازحين، فضلاً عن توزيع سلال غذائيّة وملابس شتويّة لأكثر من 50,501 نازح”.
وثّق فريق منسقو استجابة سوريا تضرّر 334 ألفا و821 عائلة، بعدد أفراد يبلغ مليونا و843 ألفا و911 نسمة، وتسبّب الزّلزال بنزوح 48 ألفا و122 عائلة، بعدد أفراد يبلغ 311 ألفا و662 نسمة، وشكّل الأطفال والنساء والحالات الخاصّة 67% من إجمالي النّازحين.
الواقع الطبّي المر
ألقى زلزال شباط بتداعيات خطيرة على القطّاع الطبّي في عموم سوريا، وعلى شمال غرب البلاد بشكل خاص، فالمنظومة الطبيّة كانت تعاني أصلاً من شح في الموارد وخفض للدعم وتسريح لطواقم العمل، ما أسهم بمضاعفة جهود الفريق الأبيض في مواجهة مخلّفات الكارثة.
“لم نستطع تأمين أمكنة كافية في غرف العناية الفائقة في السّاعات الأولى من الزّلزال..لقد انهار حرفياً نظام الإحالة المتّبع ضمن منظومة الإسعاف في المنطقة”، هكذا وصف الطبيب أحمد برّو، مسؤول منظومة الإسعاف في منظّمة سوريا للإغاثة والتنمية في شمال غرب سوريا، واقع الساعات الأولى من الزّلزال.
وهو واقع لم يتغيّر كثيراً بعد مرور نحو عام على الزّلزال، إذ يؤكّد الطبيب محمّد حمرا مدير مشفى باب الهوى، الذي فقد زوجته وطفله الرضيع في الزّلزال، أنّ الواقع الصعب الذي خلفه الزّلزال أضعف القطاّع الصّحي المتهالك في الأساس بسبب نقص الدعم والحاجة الماسّة إلى المستهلكات الطبيّة والأدوية.
وأشار حمرا أنّ الزّلزال أظهر مدى العجز الذي يعاني منه القطّاع الطبّي الذي استنزف عبر 12 عاماً من الحرب ومن ثم جائحة كورونا..”الزّلزال خلق ندوباً غائرة في هذا القطّاع”.
لفت حمرا إلى أنّ مشافي شمال غرب سوريا لا زالت تستقبل حتّى الآن مصابي الزّلزال، معظمهم يعاني من بتر وهرس في الأطراف..”لقد تجاوزوا مرحلة الاستشفاء، لكنّ بعضهم بحاجة إلى تركيب أطراف صناعيّة وآخرين بحاجة لعلاج فيزيائي.هناك حالات كثيرة بحاجة إلى دعم نفسي، خاصّة أنّ معظم إصابات الزّلزال هي من النساء والأطفال”.
متضرّرو الزّلزال في مناطق سيطرة النّظام
لا يبدو الوضع في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النّظام، أفضل حالاً من الشّمال السّوري، فعلى ما يبدو لا تزال الاستجابة شبه صفريّة من السّلطات المحليّة في المدينة، ويُمنع المتضرّرون من إعادة تأهيل منازلهم، باعتبارها مناطق سكن عشوائي.
محمّد أبو مازن، من سكّان حيّ الصّالحين تدمّر منزله بشكل كامل، واضطّر للسّكن في خيام المدينة الرياضيّة في حيّ الحمدانيّة لمدّة شهر، ومن ثمّ استأجر منزلاً، بانتظار التعويضات الحكوميّة.
وتقدّم بطلب تعويض إلى مجلس مدينة حلب منذ نحو عام، ولم يحصل على أيّ مبلغ مالي حتّى الآن، ولدى مراجعته للمكتب المختص طُلب منه الانتظار حتى يأتي دوره..”(أوبة) كذّابين، عندك واسطة بتحصل على دعم هلال أحمر ومنظّمات تانية ومجلس بلدي ماعندك خليك تموت من الجوع والتشرد”.
محافظ حلب أعلن في حوار مع صحيفة الوطن، شبه الرسميّة، أنّ إجمالي عدد الأسر المتضرّرة من الزّلزال بلغ 720632 أسرة، وأنّ السلطات المحليّة قدمت بدل إيجار لنحو 2875 أسرة متضرّرة، فيما استفاد من المساعدات النقديّة متعدّدة الاستخدامات نحو 42842 عائلة.
وأشار إلى أنّ المحافظة تتابع تنفيذ مشروع أبنية السكن البديل للمتضرّرين في منطقتي الحيدريّة والمعصرانيّة، البالغ عدد شققها 440 شقّة سكنيّة، وهو رقم ضئيل قياساً بالأرقام المعلنة من قبل السلطات المعنية في حكومة النظام، في حين ذكر مدير الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال، فارس كلّاس، إنّ العمل في العام الماضي تركّز على منح تعويضات لأصحاب المنازل المرخّصة، بنسبة 61% من المنازل المتضرّرة.
وأوضح مدير الصندوق التابع لمؤسّسة سوريا للتنمية التي تشرف عليها أسماء الأسد، أنّ الصندوق منح بعضُ المتضرّرين 160 مليون ليرة على دفعتين، الأولى عند تقديم رخصة البناء، والثانية عند تصديق عقد المقاولة، مع ملاحظة أنّه تم حساب سعر متر البناء الجاهز بقيمة 2.4 ملايين ليرة تقريباً (نحو 182 دولاراً وفق السعر الرسمي).
حتى كانون الأول الماضي، قدّم الصندوق 18 مليار ليرة لـ374 متضرراً في ثلاث محافظات (حلب اللاذقية وحماة)، للشريحتين A وB، وهما شريحتان مكوّنتان ممن فقدوا بيوتهم في الزّلزال في 6 أو 20 شباط، في مناطق منظّمة أو منازل مخالفة في مناطق منظمة، أي بنسبة إنجاز بلغت 42 في المئة
وهي مدفوعات تخصّ شريحة ضئيلة من المتضرّرين لا تكاد تُذكر، وعلى ما يبدو تخصّ (المدعومين) إذ يُتّهم النّظام السوري باستغلال أزمة الزّلزال لرفد خزينة الدولة المتهالكة من مسارب الدعم المقدّمة سواء من الدول العربيّة التي أعادت قنوات الاتّصال معه عقب كارثة الزّلزال، أومن خلال الدعم الأوربّي المخصّص لسورية والذي يجري ضخّه عبر مؤسّسات أمميّة وينفذ من منظمات محلية تهيمن عليها السورية للتنمية التي تشرف عليها أسماء الأسد شخصياً.
خلّف الزّلزال أضراراً كبيرة في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة النّظام السّوري في جبلة واللّاذقية وحماة وحلب ودمشق، دفع عدداً من الدول العربيّة من بينها الإمارات والعراق لإنشاء جسر جوّي وبرّي لمساعدة المناطق المتضرّرة، حيث قدّمت مساكن مسبقة الصنع إضافة إلى مساعدات ماليّة وغذائيّة وطبيّة.
نظام الأسد يسرق المساعدات وتراجع حجم التمويل
تفيد تقارير حقوقيّة ضلوع النّظام بسرقة المساعدات الدولية المقدّمة لضحايا الزّلزال، أعلن نائب المنسّق الإقليمي للشؤون الإنسانيّة لسوريا، ديفيد كاردن، أنّ نسبة التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية الخاصة بسوريا العام الماضي بلغت 38% ، ما يمثل الانخفاض الأكبر منذ عام 2011.
وأشار إلى أنّ خطّة الاستجابة تعاني من نقص كبير في التمويل.”لا يمكننا فعل الكثير لأن الموارد ضئيلة”.
وبحسب الأمم المتّحدة، لقي ما لا يقل عن 6000 سوري حتفهم في الزّلزال، فيما وثقت الشبكة السّورية لحقوق الإنسان وفاة أكثر من 10 آلاف إضافة إلى آلاف المصابين.