غياب العادات الرمضانية عن مخيم الركبان

يمرّ شهر رمضان على مخيّم الرّكبان المنسي في بادية نائية و قاحلة بقساوة شديدة للمرة التاسعة على التوالي، وسط انخفاض مستمر في المساعدات الإنسانيّة، واستمرار محاصرته من قبل قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية.

سكّان المخيّم البالغ عددهم نحو 7 آلاف شخص، عالقون في منطقة الـ 55 كم منذ سنوات، وكأن الحياة نسيتهم في مثلث الحدود السوريّة – الأردنيّة – العراقيّة .

ضعف الإتصال يقطع صلة الأرحام 

أم أحمد، أم لثلاثة أطفال، لم تستطع معايدة أهلها بقدوم شهر رمضان بسبب انقطاع الإتصالات وغياب الأنترنت عن معظم منازل أهالي المخيّم، تقول: “كنت أودّ سماع صوت أمي، لكي أعايدها بقدوم شهر رمضان، لكن لم يحالفني الحظ وكان الاتصال سيئاً للغاية”.

تتنهد قليلاً، والدموع تملأ عينيها متسائلة: “يا تُرى هل سأستطيع رؤية أمي في رمضان القادم؟..آمل ذلك”، ومن ثم تسرد لنا شريط ذكرياتها مع الأهل خلال شهر رمضان “كنا نجتمع على موائد الإفطار مع الأهل والأحبة، نتبادل الأحاديث والضحكات ونتشارك روحانيات الشّهر من قراءة القرآن والذهاب إلى صلاة التراويح في المساجد..أفتقد لكلّ تلك المظاهر هنا”.

تضاعف أسعار المواد الغذائية

أبو صالح، مقيم في المخيّم منذ سنوات، ولكنه لم يستطع هذا العام تأمين مستلزمات شهر رمضان لعائلته، بسبب زيادة الأسعار وارتفاع مستوى الفقر.

 يقول أبو صالح: “افتقدنا أجواء شهر رمضان، أذهب للتسوق، لا أرى مظاهر البهجة والفرح الرمضانية، التي كانت تملأ الأسواق في مدينتنا قبل رحلة التهجير إلى هذا المخيم البائس وسط الصحراء”.

ويضيف “أفتقد إلى أسواق مدينتي تدمر التي كانت تعج بالزوار، وأهازيج أصوات الباعة المتجولين للمشاريب والمعروك الرمضاني”، يتنهدُ قليلاً ومن ثم يكمل حديثه: “كلّ الأشياء الجميلة في رمضان افتقدناها في مخيّم الرّكبان ولم تعد حاضرة”

 غياب “عزائم رمضان” عن المخيم

غابت عن سكّان المخيّم، دعوات الإفطار العائلية، فالجميع يعلمون مدى صعوبة دعوة أفراد إضافيين إلى سفرة الإفطار أو حتّى السحور.

لا سعة الخيام تكفي لاستقبال زوّار إضافيين ولا القدرة الشرائية تساعد على افطار صائم.

أبو محمود،  نازح في المخيم، يقول: “العزيمة اليوم أصبحت مكلفة جداً، وعندما فكرت بعزيمة أخوتي وأولادهم قلت لزوجتي بعد هذه العزيمة سيُفرض علينا التقشف بقية أيام شهر رمضان”، ينهي حديثه بغصة.

تبلغ تكلفة الطبق الرمضاني اليومي مع اللحوم (فروج، أو دجاج) المخصص لخمسة أشخاص نحو 300 ألف ليرة سورية، إذ وصل سعر كيلو غرام اللحوم المفروم إلى 180 ألف ليرة، فيما بلغ سعر كيلو الفروج 75 ألف ليرة سورية.

يتقاضى عامل اليومية  في مخيّم الرّكبان نحو 25 ألف ليرة، وهي لا تكفي لشراء نحو كيلو ونصف من الخضار وسط تضاعف أسعار السلع في المخيم.

رمضان الذكريات في مخيم الركبان

تخفف أجواء المحبة والألفة بين سكان مخيم الركبان ثقل الفقر وقلّة الحيلة، وما تزال تبهج القلب. فجمالية السهرات مع الأصدقاء بعد صلاة التراويح حاضرة.

“بقي لنا تبادل الأحاديث ورواية ذكريات رمضان قبل عام 2011″، يقول أبو محمد.

ما “العنقرية”؟

يبتسم ويتابع: سؤال شو “العنقرية” وتعني : ماهو الفطور اليوم؟ يجب أن يطرح كل يوم ويجب على كل واحد منا الاجابة، ومن كانت اللحمة ضيف في مائدته يقول: “نعمة الله والحمد لله”  كي لا يتحسس أحد من الأصدقاء الحاضرين.

غياب العصائر الرمضانية عن مائدة الإفطار

قابلنا في المخيّم بائعي التمر هندي والعرق سوس والمعروك، وأجمعوا على أن عملية الشراء تراجعت عن الأعوام السابقة بسبب ارتفاع الأسعار.

يحدثنا بعض الباعة: “لم نهتم هذا العام بصنع هذه العصائر وغيرها من المأكولات الرمضانية مثل المعروك والمعجنات والكنافة.. في السابق كان الزبون يشتري تمر هندي وعرقسوس وعصائر أخرى، فيما يُقبل السكان على شراء الأنواع الرخيصة كظروف العصائر التجارية”.

شهر رمضان المبارك يشكّل تحدياً كبيراَ أمام الأسر التي تسعى لتأمين أحتياجاتها الأساسية بشقّ الأنفس وقد أثّرت على الطقوس الرمضانيّة التي تحمل معاني الرحمة والألفة والتكافل الإجتماعي وغيرها من العادات والتقاليد التي باتت تكافح لتبقى.