ابتسمت نور في وجه الشرطي الجالس وراء نافذة الفيش، و تمنّت لو أنّها رفعت شارة النصر في وجهه لكن الابتسامة كانت كافية لتصل رسالتها.. “أجل أنا من أولئك و لست نادمة”، قالتها نور في سرّها وخرجت من مبنى الهجرة والجوازات المقابل لساحة الكرامة في مدينة السويداء بعد أن طلب منها مراجعة فرع الأمن العسكري من أجل منحها جواز سفرها.
تقول: “كم هائل من المشاعر تعتريك في لحظة واحدة، أنت سعيد أنّك تدفع ثمن مواقفك كنوع من العزاء بأن تشارك أبناء بلدك الّذين تشرّدوا و قتلوا في السنوات التي انقضت و كنت عاجزاً عن مساندتهم، وعزاء آخر أنّ ضميرك ما يزال حيّاً في زمن يباع فيه الضمير ويُشترى”.
وتضيف: “ثم اجتاحتني موجة حزن كبيرة لحظّي العاثر بسبب ولادتي في هذه البقعة الملعونة بلعنة الأسد، وأبقى حبيستها وممنوعة من السفر إلّا في حال قدّمت فروض الطاعة”.
قد لا تكون نور محتاجة لجواز السفر في الوقت الحالي، والحصول عليه يعتبر نوع من الرفاهية في الوقت الحالي، لكنها تتساءل عن حال الناس المضطرّة للسفر، بعد ربط مديرية الهجرة والجوازات في محافظة السويداء استصدار جواز سفر للمشاركين في الحراك الشعبي المناوئ لنظام الأسد المستمر منذ عدّة أشهر بمراجعة فرع الأمن العسكري.
لن أراجع الأمن العسكري
ترفض دارين مراجعة فرع الأمن العسكري، مقابل حصولها على جواز سفر، وتصفهم بـ “الوسخين”، تقول: “حجزت دوراً على المنصّة لاستصدار جواز سفر، قبل شهرين من اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضدّ النظام في المحافظة، وبعد مرور أشهر وصلتني رسالة تحدّد موعد استلام الجواز الجديد، ولدى مراجعتي موظف (الفيش) في مبنى الهجرة والجوازات، أخبرني بضرورة مراجعة فرع الأمن العسكري، كوني من ناشطي ساحة الكرامة”.
الرشوة مقابل عدم الذهاب للفرع
لجأت رغد للرشوة مقابل عدم مراجعة فرع الأمن العسكري، بعد إخبارها من موظف الهجرة والجوازات بضرورة مراجعة الفرع، للحصول على جواز السفر، تقول: “قدّمت انا و زوجي من الإمارات لقضاء إجازة و تجديد جوازات سفرنا، وعند ذهابنا لاستلامه فوجئنا بطلب مراجعة الأمن العسكري، رغم عدم مشاركتنا بالمظاهرات الأخيرة إلا أنّ أهلي كانوا من المشاركين و كان الاستدعاء من قبل الأمن للحصول على معلومات وفق ادّعائهم”.
وتضيف: “منعني الخوف من مراجعة الفرع، لكن إجازتنا قاربت على الانتهاء و كان لزاماً علينا إيجاد طريقة للحصول على جواز السفر، فلجأنا إلى رشوة بمقدار ٣ مليون ليرة لعنصر مقابل عدم المراجعة”.
يواجه الكثير من شبان و شابات السويداء اليوم تضييقاً كبيراً عليهم للموافقة على استلامهم جواز السفر بعد صدور قوائم تشي بأسماء المشاركين و المشاركات في الحراك الأخير ليجدوا أنفسهم بين فكّي كمّاشة لا مناص منها إلا بالتحايل إمّا بدفع رشاوى كبيرة لضباط الأمن أو اللجوء إلى السفر عن طريق خطوط التهريب التي باتت اليوم تشكّل خطراً أكبر من خطورة المرور على الحواجز العسكرية نظراً لانتشار ظاهرة الخطف و ابتزاز أهالي المخطوفين بمبالغ تفوق قدرتهم المالية، أو التوقيع على تعهدات قد تكون شكليّة في كثير من الأحيان بعدم المشاركة في أي مظاهرة ضدّ النظام أو النشر في مواقع التواصل وهي نوع من الإذلال و الساديّة التي انتهجها النظام منذ عام ٢٠١١.
رغم صعوبة الحصول على القوائم الكاملة بأسماء المطلوبين لكن مراجعة مبنى الهجرة والجوازات كفيلة لتدرك إن كنت من المطلوبين، وهو ما فتح باباً جديداً للأفرع الأمنية لتلّقي الرشاوى.