المرأة في مخيّم الرّكبان..تحديات وصعوبات

تواجه النساء في مخيّم الرّكبان ظروفاً صعبة في مجالات متعددة مثل”الصحة والتعليم وغيرها”، فرغم الظروف القاهرة، إلا إنّ قصص النجاح والتحدي لبعض النساء تبرز القوة والعزيمة التي تمتلكها نساء المخيم في مواجهة الصعاب.

لقد فاقت قدرة المرأة كلّ التوقعات، منذ وصولها إلى مخيّم الرّكبان الصحراوي المعزول عن العالم، والمحروم من كل مقومات الحياة، حيث لم تعد تمثل نصف المجتمع فحسب، بل تجاوزت هذا الدور بمراحل.

مع وصولها وأسرتها، كانت تحمل أملاً في العودة إلى منزلها، ووظيفتها، وحياتها اليومية. لكن، وللأسف، لم يتحقق هذا الأمل للغالبية، حيث اضطرت لترك بيتها متجهة إلى مأوى صنعته بيدها من الأقمشة بمساعدة زوجها أو أهلها ليحميها من الشمس.

في السنوات الأولى من تأسيس المخيّم، تلقى البعض خياماً من المنظمات الإنسانية، بينما اتبع آخرون نصائح من سبقوهم إلى المكان وأحضروا معهم خيامهم الخاصة.

مع مرور الزمن وتحديات الأحوال الجوية القاسية بما فيها العواصف الرملية المستمرة، باتت الخيام غير صالحة للإقامة، ما دفع النساء لخياطة الأغطية المتوفرة لديهن لتشكيل خيم جديدة تُستخدم للنوم، والجلوس، والطهي، والاستحمام.

فيما ثقبت نسوة المخيم أسفل زوايا الخيام، لتصريف مياه الاستحمام والجلي، وأظهرن مهارة في تنظيم وترتيب الفضاء المحدود داخل الخيمة لاستيعاب أفراد الأسرة وممتلكاتهم.

مشهد شدّ الخيم وصيانتها بعد تعرضها للتلف بات أمراً اعتيادياً، حيث تسهم النساء الأكبر سناً بمساعدة الأصغر منهن في هذه الأعمال.

عانت المرأة في مخيّم الرّكبان النزوح وما تزال تعاني من تحديات جمة مثل الحصول على السكن المناسب، مخاطر الإصابة الأمراض، إضافة إلى صعوبات في تأمين  الغذاء،  هذه التحديات دفعتها للعمل جنبًا إلى جنب مع زوجها وأفراد عائلتها في صنع طوب الطين لتحسين أحوال المسكن والتخفيف من الصعاب التي تواجهها في صيانة الخيمة وحمايتها من العواصف.

شاركت المرأة بجد في أعمال البناء رغم  ثقل الأحمال، فيما لم يكن أمامها خيار سوى صب سقف المنزل بقطعة نايلون مقدمة من الأمم المتحدة، إضافة إلى وضع بعض الأغطية  التي كانت تستخدمها لجلب الدفء إلى أبنائها على السقف، لحمايته من  التمزق وإطالة عمره ليوفر حماية أكبر لعائلتها.

بادرت المرأة في مخيّم الرّكبان إلى توسيع مسكنها بإضافة المطبخ والحمامات بالتعاون مع زوجها لحماية العائلة من الظروف المناخية المتغيرة في فصول السنة المختلفة.

مع تطور الوضع والانتقال من سكن الخيام إلى البيوت الطينية، عمل الأهالي على حفر “جور صحية” لاستخدامها كبديل عن شبكات الصرف الصحي، وإغلاقها بقطع من الخشب والقصدير لمنع وقوع الأطفال فيها.

ومن أجل تأمين مياه الشرب، تنقل نسوة المخيم وبعض الأطفال المياه من المناهل على الساتر الترابي إلى المنازل، حيث تضطر بعضهن للمشي سيراً على الأقدام لنحو 1 كيلو متر  لنقل مياه الشرب، في محاولة منهن لتوفير  تكاليف النقل.

بمجرد الانتهاء من نقل الماء، تنتقل نساء المخيّم إلى تنظيف المنزل وغسل الأواني والملابس، حيث تجدنّ أنفسهن مجبرات على غسل الملابس وتنشيفها يدويًا بسبب عدم توفر الكهرباء.

تعيد الأمهات في مخيّم الرّكبان تدوير الملابس القديمة، سواء بتصغيرها ليناسب الأطفال الصغار أو حتى باستخدام خدمات الخياطة المتوفرة في الحي لتعديلها، من أجل الاستفادة من كلّ مورد متاح  بأقصى درجة ممكنة.

لم يقتصر عمل المرأة في مخيّم الرّكبان على داخل المنزل، بل عملت في مجالات عدة خارج المنزل، كالتعليم والطبابة والزراعة والتجارة وغيرها.

أجبرت الظروف الصعبة وقصف قوات النظام نحو 11 ممرضة من خريجات مدرسة التمريض على النزوح إلى مخيّم الرّكبان، حيث مارسن عملهن وساعدن بأدوات بسيطة مئات المرضى في المخيم، فيما عملت قابلتان في المخيم على توليد عشرات النساء، بعد اتقانهن للعمل على جهاز “الايكو”، كما استطاعتا توليد سيدات تعرضن لولادة قيصرية في السابق، ونجحتا بتوليدهن بشكل طبيعي إلى جانب نجاحهن بتدريب بعض الفتيات في أعمال التمريض والإسعافات الأولية.

تعاونت بعض النساء إلى جانب بعض الرجال ممن يحملون الشهادة الثانوية 

بتدريس الأطفال ممن هم في سن الدراسة أو من لم يكمل دراسته في ظل ظروف الحرب الصعبة التي مروا بها في بداية الأمر في الخيم ثم انتقلوا إلى الصفوف الطينية، حيث تطوعت في البداية نحو  48 آنسة على تعليم أطفال المخيم؛ خوفاً من انتشار الأمية بين الأطفال، ولم يخلّ عملهن من صعوبات جمّة حيث كانت الدروس تكتب في البداية على أقمشة الخيم وبعض الكراتين، فيما استخدمن الأحجار الكلسية كبديلٍ عن الطباشير.

اعتمدت المعلمات، في البداية، على ذاكرتهن في تدريس المواد للأطفال، قبل دخول الكتب المدرسيّة إلى المخيّم في آخر دفعة مساعدات قدمتها الأمم المتحدة للمخيّم عام 2019، مع تطلعات بمستقبل تعليمي أفضل يضمن للأطفال استمرار تعليهم إلى ما بعد المرحلة الابتدائية، وسط أماني بتبني جهات مسؤولة قطاع التعليم في المخيّم والاعتراف بالشهادة الصادرة عن مدارسه الثمانية.

تعمل المرأة في مخيم الرّكبان في عدة مجالات أخرى مثل “الحلاقة”، حيث يوجد في المخيّم 3 كوافيرات، إلى جانب 5 خياطات للمساهمة في تأمين دخل إضافي للعائلة، كما عملت المرأة في قطاع الزراعة إلى جانب الرجل من خلال تحضير الأرض ونقل بعض المساكب المنزلية البسيطة لتأمين جزء من الغذاء لعائلتها، كما عملت بعضهن في التجارة المنزلية عبر بيع الملابس وبعض الاحتياجات لسيدات الممخيّم، إضافة إلى عملهن في مجال الإعلام حيث تنقل إعلاميتان في المخيم هموم ومشاكل السكان.

بسبب الانقطاع عن التعليم، والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها السكان، أجبرت عدد من الفتيات على الزواج في سن مبكرة، ما أسهم في ازدياد حالات الطلاق بنسبة تزيد عن 60%، كما زادت حالات الإجهاض وانجاب الأجنة المشوّهة؛ وكونها طفلة تحتاج إلى من يرعاها، عادت بعضهن إلى بيت أهلهن وهنّ حوامل، وأنجبت عند الأهل فيما تخلّى عدد كبير من الأزواج عن مسؤوليتهم، وغادروا المخيّم، حيث تحملّت الطفلة القاصر كلّ تلك الأعباء وأضافت أعباء إضافية إلى ذويها، ففي ضوء كلّ ما سبق والأعمال التي تقوم بها المرأة في مخيّم الرّكبان والمعاناة التي تكابدها، تحوّلت إلى حامل للمجتمع بأكمله.