التعليم في مخيّم الرّكبان..وعودٌ بالدعم مرهونة بتوفير الاتصال مع الصحراء

اضطر عبد الرحمن، 15 عاماً، إلى ترك مقاعد الدراسة والانخراط في سوق العمل، بسبب اقتصارالتعليم في المخيم على المرحلة الابتدائية وعدم وجود مدارس إعدادية وثانوية، إضافة إلى عدم وجود جهة معتمدة تشرف على التعليم في مخيّم الرّكبان وتصدّق على الشهادات الصادرة عن مدارسه.

يعمل عبدالرحمن في صناعة الطوب؛ من أجل المساهمة في تحسين الظروف المعيشية لعائلته، بعد أن أصبحت أحلامه الدراسية في مهب العواصف الغبارية التي تزور المخيّم بشكلّ دائم، وتزيد من أوضاع ساكنيه بؤساً.

رغم الصعوبات اللوجستية في مخيّم الرّكبان التي تُعيق افتتاح مراحل تعليمية جديدة، وإجراء امتحانات للشهادتين الإعدادية والثانوية، إلا أنّ مدير المكتب التعليمي في المجلس المحلي لمخيّم الرّكبان أحمد زغيرة يؤكد تلقيه وعوداً من الحكومة السورية المؤقتة وبعض المنظمات المعنية في الشأن التعليمي بشأن تسهيل فتح مراحل دراسية جديدة وإجراء امتحانات لطلبة الشهادتين الإعدادية والثانوية في حال إيجاد البنية المناسبة لتلك العملية في المخيّم.

يوضّح مسؤول ملف التعليم في مخيّم الرّكبان أنّ اتخاذ خطوات جدية في هذا الإطار تحتاج إلى بعض الوقت “لا نستطيع الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الصف التاسع مباشرة”، وأنّ القائمين على العملية التعليميّة يجهّزون لإجراء امتحانات الشهادة الإعدادية، ولكن الأمر مرهون بانتقال الطلاب من الصف السابع بعد أن توفّرت مناهجه في المخيّم إلى الصف الثامن ومن ثم تُجرى امتحانات الشهادة الإعدادية.

كشف أحمد زغيرة مسؤول الملف التعليمي في المخيّم عن نيته افتتاح مدرسة إعدادية مبنية من الطين على نفقته الخاصة خلال العام الدراسي القادم، مؤكداً أنّ الهدف هو تعليم أطفال وأبناء مخيّم الرّكبان وعدم إهدار وقتهم وسني حياتهم في هذه البقعة المنسية من العالم.

يبلغ عدد طلاب مخيّم الرّكبان نحو 1400 طالباً وطالبة موزعين على 8 مدارس، ويقتصر تعليمهم على المرحلة الابتدائية من الروضة حتّى الصف السادس، وتعاني من غياب الأدوات اللوجستية من مقاعد وألواح ومنهاج، فيما يقوم على العملية التعليمية 60 متطوعاً، عملوا بلا أجر خلال السنوات السابقة، ودعمتهم منظّمة “غلوبال جستس” بمبلغ مئة دولار شهرياً لكلّ متطوع خلال العام الدراسي 2023-2024 وانقطعت الرواتب مع انتهاء العام، مع إمكانية التجديد مع بداية العام الدراسي 2024-2025.

وزير التربية في الحكومة السورية المؤقتة د.جهاد حجازي رحّب بالتعاون مع القائمين على العملية التعليمية في مخيّم الرّكبان من أجل إشراف الحكومة على الملف التعليمي والإشراف على امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.

أوضح حجازي أنّ الوزارة حاولت في السابق في أكثر من مرة إجراء امتحانات للشهادتين الإعدادية والثانوية، لكن عوائق كثيرة حالت دون ذلك من ضمنها صعوبة الوصول إلى مخيّم الرّكبان إضافة إلى ضعف الاتصالات وعدم وجود كوادر تعليمية كافية.

أكّد حجازي استعداد الوزارة لإجراء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية في مخيّم الرّكبان في حال توفّرت الظروف المناسبة لذلك، وأنّ الوزارة على استعداد دائم لدعم العملية التعليمية في مخيّم الرّكبان.

جهود الوزارة تتزامن مع مساع حثيثة من قبل منظمتي “السورية للطوارئ” و”غلوبال جستس” في دعم العملية التعليمية في مخيّم الرّكبان وتوفير ما يحتاجه طلاب المخيّم من معدّات لوجستية، وهو ما أكده في أكثر من مناسبة القائمين على تلك المنظمتين معاذ مصطفى وهيثم البزم، لكن عدم تضمين معدات لوجستية تعليمية ضمن الدفعة الأخيرة من المساعدات التي أدخلتها “السورية للطوارئ” قبل أسابيع قليلة إلى مخيّم الرّكبان يطرح أكثر من إشارة استفهام حول الجهة التي تحاول منع تعليم أبناء المخيّم، وهو ما ألمح إليه في حديث سابق معاذ مصطفى المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ في أنّ موظف في الخارجية يحاول في كلّ مرة إعاقة وصول المساعدات إلى المخيّم، رغم حصول المنظمة على موافقة وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”.

بالنظر إلى ضعف الكوادر التعلمية في المخيّم، أبدى الخبير التربوي ومدير منظمة تعليم بلا حدود “مداد” عزام خانجي استعداد منظمته للمساهمة في تأهيل الكوادر التعليمية من حملة الشهادة الثانوية عبر التعليم عن بعد وربطهم بالعملية التعليمية ضمن المنهج المتبع لمعاهد إعداد المدرسين في الشمال السوري.

وأشار إلى أنّ خطة تأهيل الكوادر التعليمية في مخيّم الرّكبان عن بعد حظيت في السابق، بموافقة القائمين على العملية التعليميّة في المخيّم، لكن ما أعاقها ضعف الاتصالات، مقترحاً في البداية إقامة دورات لتعميق الاختصاص في “الرياضيات، اللغة العربية، اللغة الإنكليزية، وغيرها” من أجل سبر معلوماتهم، ومن ثم إلحاق المتدربين بدورات اختصاصية، مطالباً السلطات القائمة في المنطقة 55 بتسهيل إدخال المعدات اللوجستية إلى داخل المخيّم، متعهداً بإعادة إحياء ملف التعليم في مخيّم الرّكبان من خلال إعادة الاتصال مع الأشخاص المعنيين.

رغم كلّ المعوقات التي تشوب العملية التعليميّة إلا أنّ أمل عبد الرحمن لم ينقطع في عودته إلى مقاعد الدراسة وإكمال حلمه في دراسة الطب من أجل مساعدة سكان مخيّم الرّكبان مستمداً إيمانه بحلمه من نظرته إلى والديه حيث كانا يعملان في التمريض في السابق والآن أصبحا بمثابة أطباء للسكان هنا، بسبب غياب الكوادر ومنع قوات النظام والميليشيات الموالية المرضى من الذهاب للعلاج في الخارج.