ينظر سكان مخيّم الرّكبان إلى شجرة النخيل على أنها رمزٌ للتغلب على ظروف الحياة الصعبة في تلك المنطقة الصحراوية المحاصرة والمعزولة عن العالم، لذلك فإنّ زراعة النخيل ليست مجرد تجربة زراعية بل هي وسيلة لتعزيز الاستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إضافة لكونها بمثابة استذكار وحنين للديار التي تركها نازحي الرّكبان بعد أن هُجروا منها قسراً على وقع قصف طائرات النظام وقمع ميليشياته.
يؤكد بعض المزارعين في مخيّم الرّكبان أن زراعة النخيل يمكن أن تُحوِّل بيئة المخيم الصحرواية إلى مكان مفعم بالحياة، من خلال توفير العناية المناسبة لها في العام الأول ومن ثم تتأقلم الشجرة مع أجواء مخيّم الرّكبان المناخية.
الصدفة قادت عبد الله أبو ماهر إلى الاعتناء بزراعة النخيل، بعد أن نبتت نخلة على “ساقية” تجري من “مجلى غسل الأواني المنزلية” في خيمته، يقول: “بعد وصولي إلى مخيّم الرّكبان بشهرين، تفاجأت بنمو نخلة على ساقية الخيمة، وبعد عام بدأت بالاهتمام بها، وحفرت حولها حوضاً دائرياً، ومن ثم بدأت تكبر، لكن لم أجني ثمارها بعد”.
أبو ماهر يربط بين نخلته في مخيّم الرّكبان والأشجار المثمرة التي تركها في فناء داره الذي هُجر منه في مدينة تدمر، ولا يلتفت إلى حجم الثمار التي من الممكن أن يجنيها من تلك الشجرة التي تكبر في منفاه القسري..”إنّها تذكرني بداري وأهلي وكلما هبت ريحٌ وتحرك غصنٌ عادت بي الذاكرة إلى منزلي الذي تركته في تدمر..وأصبح شريط ذكريات الماضي ماثلاً أمامي”.
تحتاج شجرة النخيل إلى ريها ببرميل ماء شهرياً، وإلى نحو 2640 لتراً في عامها الأول، وتتأقلم مع قلة المياه في السنوات اللاحقة، بعد حفر حوضاً دائرياً حولها.
لم يعلم أبو أحمد النازح من ريف حمص أنّ المقام سيطول به في منفاه الإجباري في مخيّم الرّكبان، لذلك لم يلقِ بالاً للزراعة في بداية تهجيره إلى مخيّم الرّكبان في عام 2016، لكن مع طول فترة البقاء، بدأ بزراعة بعض الأشجار المثمرة، من بينها الزيتون والنخيل والرمان والتين، كونها من الممكن أن تتأقلم مع طبيعة الأرض القلوية غير الصالحة للزراعة إلا بعد عملية استصلاح معقدة من بينها تغير التربة وإضافة الأسمدة العضوية غير المتوفرة.
يقول: إنّ “النخيل يحتاج فقط إلى الماء في عامه الأول، ومن بعده يحتاج للعناية البسيطة، لكن حجم الثمار ما يزال في بدئه، ولم نجني من هذه الأشجار سوى حبات تمر صغيرة”.
ذكر مراسل “حصار” أنّ عدد أشجار النخيل بلغ نحو١٠٠ شجرةً، معظمها في سني عمرها الأولى ما بين سنتين وثلاثة ، وقليلٌ منها يبلغ عمره ما بين الخمس والسبع سنوات، متوزعة على معظم أحياء المخيّم، لكنها ذات انتشار أكبر في الحي التدمري.
أعمار أشجار النخيل الصغيرة في المخيّم جعل معظمها عديمة الانتاج حتّى الآن، واقتصر جني الثمار على ثلاثة أغصان في شجرة واحدة، ولربّما يزداد ويتطور خلال الأعوام القليلة القادمة.
رغم صعوبة الظروف وقلة الانتاج وعدم انتشار زراعة النخيل في المنطقة كظاهرة إلا أنّ وجودها في أحياء المخيّم يعتبر نوعاً من باب الحنين إلى الديار واستذكار لما تركه نازحي المخيم من منازل وأراض في مناطقهم، بعد أن أجبروا على تركها على وقع القصف والدمار.