توجه طبيب الأسنان ماجد، القادم من فرنسا رفقة المنظمة السورية للطوارئ إلى مخيّم الرّكبان المحاصر لتقديم الرعاية السنيّة للسكان الذين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة، ويشتكون من أمراض سنيّة وفكية مزمنة.
في نقطة شام الطبيّة، بدأ الطبيب بعمله في تقييم الحالات ورسم الخطة العلاجية للمرضى.
نازحو الركبان..طرق صادمة لعلاج الأسنان
عبّر الدكتور ماجد عن صدمته من الطرق التي اتبعها مرضى الأسنان في مخيّم الرّكبان للعلاج والتخفيف من آلام الأسنان، كونها كانت غير متوقعة، وقال: “في مخّيم الرّكبان، شاهدت طرقاً بدائية لم أرَ مثلها في أي مكان آخر، فالناس هنا يصنعون حشوات أسنانهم من معاجين طلاء السيارات، ويستخدمون زيوت المحركات لتخفيف الألم.. زادت صدمتي حينما رأيت استخدام البعض المفكات من أجل خلع أسنانهم بأنفسهم!”، مشيراً إلى أنّ هناك انتشاراً واسعاً للنخور السوداء والترسبات الكلسية الكثيفة على الأسنان، ما يعكس قسوة الحياة ونقص الرعاية الصحية في المخّيم.
تنظيم العمل للتغلب على زيادة الأعداد
مع تدفق أعداد كبيرة من المرضى يومياً على نقطة شام، اضطر الطبيب رفقة الكادر التمريضي في المخيّم، لتنظيم المراجعات عبر تسجيل المواعيد، حيث كانت كل حالة تستغرق وقتاً مختلفاً حسب درجة تعقيدها، والإجراءات المتخذة لعلاجها، إلا أنّ المعدل المتوسط للعلاج تراوح ما بين 30-45 دقيقة.
اضطر الدكتور ماجد إلى العمل لأكثر من 16 ساعة يومياً، لضمان معالجة جميع المرضى المراجعين”الضغط كان سيخف لو توفر طبيب آخر”.
صعوبات الوصول
وصول طبيب الأسنان إلى مخيّم الرّكبان لم يكن سهلاً، كان الطريق الوحيد للدخول عبر الطائرات العسكرية الأمريكية، إذ انطلق الفريق من أربيل مروراً بقاعدة عين الأسد في العراق، وصولاً إلى قاعدة التنف، ومن ثم الوصول إلى المخيّم.
أدوات ومستحضرات العلاج
وفرّت المنظمة السورية للطوارئ كافة المستلزمات اللوجستية لنجاح المهمة، فجهزت العيادة السنية بمواد وأدوات حديثة تشمل حشوات الكومبوزيت الضوئية وأجهزة معالجة لب السن، إضافة إلى جهاز “كافيترون” للتنظيف العميق للأسنان واللثة.
فرح الإنجاز
مهمة الطبيب ماجد امتدت من 27 تموز/ يوليو وحتى 22 آب/ أغسطس الجاري، استطاع خلالها علاج عشرات الحالات المرضية للسكان، لكنه بكلّ تأكيد لم يستطع الإطلاع على حالات جميع مرضى المخيّم، وتقديم العلاج اللازم لهم.
يعبر عن تأثره العميق بسكان المخّيم، قائلاً: “أحببت بساطة وطيبة السكان رغم كل الصعاب.. شعرت بالمسؤولية تجاه كل مريض، وكان شعور الإنجاز بعد علاج 650 حالة لا يُوصف”، وأضاف: “أتمنى لو أستطيع العودة لمواصلة المساعدة”.
آلام وآمال
من بين الحالات المؤثرة، كان هناك أبو ماهر، 38 عاماً، الذي عانى طويلاً من آلام الأسنان، وكانت هذه زيارته الأولى لطبيب أسنان، يقول: “فرحتي بالتخلص من الألم لا توصف.. لم يكن الدكتور ماجد مجرد طبيب، بل كان إنساناً قريباً منا”.
فيما كان أسعد أبو أحمد، 30 عاماً، يخجل من الابتسامة بسبب حالة أسنانه السيئة، ما جعله يتردد في فكرة الزواج، لكن بعد معالجة أسنانه الأمامية، استعاد ثقته بنفسه وأخبر والدته أنّ الوقت قد حان للبحث عن عروس.
أزمة طبيّة مزمنة ومستمرة
رغم الجهود المبذولة لدعم القطاع الطبي في المخيّم، إلا أنّ هناك حاجة ملحة لتوفير أطباء مختصين وأجهزة طبية إضافية وأجهزة مخبريّة ولقاحات أطفال، خاصة بعد توقف وصولها منذ عام 2019.
تبقى هذه المبادرات الإنسانيّة بريق أمل لسكان مخيّم الرّكبان، رغم الصعوبات والمخاطر التي تواجهها، لكنها من الممكن أن ترسم الابتسامة على وجوه المحاصرين وتخفف من معاناتهم.